احتوى ثروة ضخمة من المصطلحات البحرية

"الأوقاف والشؤون الدينية" تصدر معجماً بحرياً من ستة أجزاء

 

مسقط – الرؤية

 

أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مؤخراً "المعجم البحري"، وذلك بعد بحث مُضنٍ في بطون المخطوطات العربية والإسلامية داخل السلطنة وخارجها، وتضمن المعجم الذي اشتمل على (640 صفحة من القطع الكبير) وتم تقسيمه على 6 أجزاء، ثروة ضخمة من المصطلحات البحرية العربية في المحيط الهندي، تناولت عدة موضوعات منها(بناء السفن، والإبحار، والملاحة، وصيد الأسماك والغوص والبحث عن اللؤلؤ والعملات النقدية).

ويتمثل الهدف من هذا المعجم في توثيق مجموعة تاريخية منتقاة من هذه المصطلحات البحرية المتنوعة في الأدب العربي، وفي المحيط الهندي، مع تركيز خاص على التعابير المستخدمة في الخليج وعُمان وجنوب شبه الجزيرة العربية في العصر الإسلاميّ، بدءًا من انتشار الإسلام وحتى القرن الرابع عشر الهجريّ/ العشرين الميلاديّ.

وبحسب الباحثين والمشتغلين عليه لا يعدُ معجما شاملا حيث ينبغي أن يكون بمثابة جهد دائم يتكوّن من عدد كبير من الكتب والمجلدات التي تحوي بين طيّاتها عددا كبيرا من المصطلحات عن البحر الأحمر والبحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، لكنه يمثل دراسةً تاريخية مُحدّدة لعدد مختار من المصطلحات ذات الصلة بالسفن وصناعتها والإبحار وعلم الملاحة بوجه عام وصيد الأسماك وصيد اللؤلؤ في منطقة جغرافية محددة.

ورغم أنَّ العنوان يشير إلى المحيط الهندي إلا أنه ينبغي توضيح أهمية عدم عدّ هذا العمل محاولة لتسجيل المصطلحات العربية المستخدمة في هذا المحيط الشاسع كافة؛ بل تلك المصطلحات التي كانت تستخدمها بعض المصادر العربية لوصف جوانب مُهمة للمحيط الهندي مع التركيز بوجه خاص على الخليج وعُمان وجنوب شبه الجزيرة العربية، ولم يرد ذكر المصطلحات العربية المستخدمة في البحر الأحمر وشرق إفريقيا إلا قليلا كما لم يرد ذكر مصطلحات البحر الأبيض المتوسط إلا عندما تنطبق على سياق المحيط الهندي مثل بعض الكلمات التي استخدمها ابن بطوطة.

ويشير الناشرون والباحثون الذين أنجزوا هذا المعجم إلى ما يتمتع به (البحر) من قوة رمزية في اللغة والثقافة العربية. ورغم أن الصورة النمطية السائدة للعربي ووصفه بإنسانٍ بدويّ وصحراويّ إلا أن حقيقة الأمر تؤكد أن المجتمعات العربية كانت ومازالت تتمتع بعلاقة ثرية ودائمة مع البحر منذ آلاف السنين. فمنطقة شبه الجزيرة العربية محاطة بالسواحل من ثلاثة جوانب، لذلك كان من الحتميّ أن يعتمد العرب على البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي للعيش والتجارة والبقاء. ومن ثَمّ نجد أن اللغة العربية تعكس هذا القرب الدائم. والبحر منح الحياة لسكان السواحل العرب، ووفرّ لهم أقواتهم من الأسماك والرخويات وغيرها من الموارد البحرية، كما كان مصدرا للكثير من الأشياء الثمينة مثل اللؤلؤ البراق والأسماك الجافة التي كانوا يتاجرون بها مع باقي دول العالم.

علاوةً على ذلك ربط البحر العرب بالعالم الأكبر؛ حيث إنهم أبحروا عبر المحيط الهندي إلى بحر الصين الجنوبي، وشاركوا في أكبر خط تجاري بحري في العالم في العصر ما قبل الحديث، ولعب البحارة العرب دورا مهما في نشر الإسلام وأنشأوا المجتمعات الإسلامية الساحلية من غرب إفريقيا إلى جنوي شرق آسيا والصين، لدرجة أن بحلول القرن الثامن/ الرابع عشر استطاع الرحالة المغربي المعروف ابن بطوطة السفر إلى إفريقيا والهند والمالديف معتمدا بشكل كليّ على شبكة العلاقات الإسلامية من أجل العيش والعمل.

كما أنشأت الأساطيل العربية إمبراطوريات بحرية مثل إمبراطورية اليعاربة والبوسعيد التي امتدت من الخليج إلى زنجبار، وأقام المهاجرون العرب شبكات عالمية عابرة للحدود والقوميات، امتدت من حضرموت إلى جنوب شرق آىسيا. وكان من الحتمي أن يكون لكل هذا التفاعل تأثير واضح على اللغة العربية. والمعروف عن البيئات البحرية أنها غالبا ما تتسم بالمرونة الثقافية والتفاعل اللغوي وتخلق مجالات للتفاعل بين مختلف اللغات والثقافات.

ونظرا للدور المحوريّ للغة العربية في الدين الإسلاميّ حيث إنها لغة القرآن؛ أصبح للغة العربية أهمية دينية وثقافية كبيرة لدى عدد من كبير من غير العرب الذين اعتنقوا الإسلام. ومع توسع العرب وانتشار الإسلام في آنٍ واحد في العالم البحري للمحيط الهندي انخرطت اللغة العربية في نطاق لغوي بحري شاسع.

 

تعليق عبر الفيس بوك