تمت السيطرة بنجاح

 

محمود لبد | فلسطين

في صباح اليوم التاسع والعشرين من آب، عام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين 1997 ، في تمام الساعة الرابعة وثلاث عشر دقيقة فجراً، قد لا أحصي تفاصيلاً دقيقة عن ذاك اليوم، من سوء حظي أن الكثيرين يعلمون ما لا علم لي عنه، ومن حسن حظي أن ما تراكم علي من وقت كان الأفضل بالنسبة لي، لأن ما كان عليّ سماعه في طفولتي سمعته عندما نضجت، وهذا ما جعلني أرسم خارطة لكل شيء... حين شعّرَت أمي بأن موعد الغيمة التي صنعتها مع أبي لوضع صندوق في أحشائها كي يتسع لجنين جديد اقتربت على الانتهاء، فقد سيطر عليها الرعب لبضع ليالٍ في ساعة واحدة وتتجدد مع كل تنهيدة تطلقها من أنفاسي السرية، كان ما يتوجب عليها فعله أن تغادر بي إلى أقصى بلدة وجهت صوتها تجاه طريقها بمقدار آخر صرخة عبرت عن معاناتها وأوجاعها، كان ذاك الصباح مليء بالحزن والدهشة في آن معا، إذ كان لأمي تسعة عشر ليلة من الأرق، لم تشم رائحة للنوم إلا لماماً من الدقائق، كانت تسرق الهدوء من توزيعة ملامحي، إذ كانت تحاور أبي عن رؤيتي في منامها القليل، كانت تصف لون شعري.. يبدو أنه يتطاير كالحرير مثل جده.. له غمازتين واسعتين يضيئان وجهه.. يمتلك ضحكة عريضة مثل أبيه، قالت سيكون عنيدا مثلي وتبسمت، فثار أبي، صار حزينا مبتل بدمعتين غسلتا وجهه، ثم أتبعت حديثها قائلة: سيكون طموحا مجازفا مثلك، سيطرق كل الأبواب ليحصل على منفذ ليخرج من عثرات العالم القذر، ففرح أبي، وذهب مسرعا ليحضر ثلاث أطباء ليشرفوا على عملية الإنجاب، تعرضت أمي لحرب قاسية توارت لثلاث ساعات وسبعة عشر دقيقة، إذ تحملت مشاق ثورة شعب بأكمله في بضع هذا الوقت، كانت محاولة ولادتي أعجوبة من عجائب السماء، حيث أخبرتني أمي بأنهم أحضروا جهازين لشفط الجنين حينها وطاقم أطباء يشرفون على العملية تلك، فجأة وبقدرة واحد أحد.. خرجت ماسكا بالحبل السري بيدي، كالقرد حين يتسلق بالأشجار ويبقى متشبثا خشية أن يسقط، إذ دُهش الطبيب ومساعدته والممرضة الجميلة... واستيقظ البعض إثر صوت ناشب من أعماقي وسمعت أمي صوت امرأة مريضة في الطابق الثالث من البناية، غرفة 97 تزغرد بكامل عافية وارتياح، كان يبدو أن أمي أيقظت المشفى ست مرات وفي المحاولة السابعة أدرك الجميع بأن أمي قد نجت وجنينها الشقي تمت السيطرة عليه بنجاح.

تعليق عبر الفيس بوك