نحو شبكة وطنية للمسؤولية الاجتماعية

فايزة سويلم الكلبانية

مُنذ أن خطتَّ جريدة "الرؤية" نهجها الأصيل المتمثل في "إعلام المبادرات"، وهي تسعَى بكل جهدها لمواكبة مُتطلبات العصر، وما تستدعيه الحاجة من تسليط الضوء وتركيز الاهتمام على أحد قطاعات التنمية؛ إيمانا من الجريدة بدورها في خدمة المجتمع، عبر قيامها بالدور الوطني المنوط بها؛ والمتمثل في بناء جسور التواصل بين المواطن والحكومة من جهة، والحكومة والقطاع الخاص من جهة ثانية؛ بما يكفُل تلبية احتياجات المرحلة والبناء على ما تحقَّق من مُنجزات ودعم ورفد مسيرة البناء والتحديث بكل السبل والآليات الناجعة.

وهذا واجبٌ فرضته علينا -نحن جريدة "الرؤية"- مسؤولية وطنية تدفعنا لبذل المزيد من الجهد ومواصلة الدرب، مُستلهمين في ذلك الرؤية الثاقبة والنهج الحكيم لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه. ومن بين القضايا التنموية التي نظرحها في "إعلام المبادرات": قضية المسؤولية الاجتماعية؛ لما تحمله من أبعاد اجتماعية واقتصادية تتكاتَف فيها جهود القطاعين العام والخاص، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنَّ هذا الوطن عامر بالخير، وأن القطاع الخاص يستطيع أن يُحدِث الفارق في مسيرة التنمية؛ من خلال تبني مشروعات تحت مظلة المسؤولية الاجتماعية.

نجحنَا خلال دورتيْن اثنتيْن من "المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية" أن نضع اللبنات الأولى لقطاع مسؤولية اجتماعية مُستدام، ودشَّنا البنود الاسترشادية للميثاق الوطني للمسؤولية الاجتماعية، ومن المقرر أن تنطلق النسخة الثالثة من المنتدى في أكتوبر المقبل.

لكننا، وفي خضم الزخم الذي يُرافق هذا المنتدى، اتخذت الجريدة قرارها بتنظيم مُلتقيات ذات صلة بقطاع المسؤولية الاجتماعية، لكن وفق فكرة غير تقليدية، أو كما يقولون "خارج الصندوق"؛ حيث وضعنا رؤية طويلة الأمد لتنفيذ مُلتقيات محلية في عدد من المحافظات خلال السنوات المقبلة، تكون منبرا يستعرض كافة تطلعات وأفكار وتحديات قطاع المسؤولية الاجتماعية في هذه المحافظات، والبداية ستكون خلال أقل من أسبوعين في ولاية صلالة؛ حيث سيتم تنظيم "ملتقى صلالة للمسؤولية الاجتماعية" يوم 11 سبتمبر المقبل في منتجع ميلينيوم صلالة، ويحمل عنوان: "الاستثمار المجتمعي.. المسؤولية المستدامة"، برعاية شركة صلالة للميثانول، وبالشراكة مع فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بمحافظة ظفار، إلى جانب مشاركة عدد من شركات القطاع الخاص.

لذا؛ وفي إطار ما تطرحه جريدة "الرؤية" من مبادرات، ارتأينا أن يجُوب هذا الملتقى محافظات أخرى، وأول محطَّة سيصلها الملتقى بعد صلالة، ستكُون في شمال الباطنة وتحديدا ولاية صحار، التي يُمكن أن نطلق عليها وصف "العاصمة الاقتصادية" لما تحتويه من مشروعات اقتصادية كبرى تُعزِّز نمو اقتصادنا الوطني وتوفر الآلاف من فرص العمل لشبابنا، فضلا عن احتواء الولاية لأكبر ميناء تجاري في السلطنة، وهو ميناء صحار، الذي يعد بوابة تجارية رئيسية للبضائع المصدرة والمستوردة.

إستراتيجية التوسُّع التي تنتهجها جريدة "الرؤية" في مثل هذه المبادرات تستهدف تحقيق رؤية تكاملية، تتضافر فيها جهود مختلف الأطراف؛ الحكومة والقطاع الخاص ومنظومة الإعلام، وغيرها من الأطراف الفاعلة في المسيرة التنموية. وهذه الإستراتيجية تضع نُصب أعينها الوصول إلى العديد من الغايات والأهداف؛ وفي مقدمتها: إطلاق "الشبكة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية"، والتي ستجمع تحت مظلتها كل هذه الأطراف، وتكون بمثابة بنك للأفكار التنموية الطموحة التي يأمل المجتمع تنفيذها، فضلا عن دور هذه الشبكة في الربط بين مختلف الجهات لتعزيز التواصل وتجسير الفجوات وتقريب وجهات النظر.

وبالرغم من الجهود التي تبذلها الأطراف المعنية بتنظيم العمل بالمسؤولية الاجتماعية كمفهوم وسياسة عمل في تطبيق برامجها على مدار العام، وبالرغم من عدم وجود قانون ملزم للشركات للعمل في المسؤولية الاجتماعية، إلا أنه ينبغي أن نواصل التأكيد على ضرورة أن تعلن الشركات ومؤسسات القطاع الخاص الالتزام الوطني بمشاريع المسؤولية الاجتماعية، لا سيما في ظل الظروف والتحديات التي تمر بها الدولة، وتوجهاتها نحو مزيد من التمكين للقطاع الخاص في عملية التنمية الشاملة والمستدامة. إنَّ من الضروريات أن تؤخذ مشروعات المسؤولية الاجتماعية في عين الاعتبار ضمن السياسات والخطط السنوية لهذه الشركات، وأن تخصص ميزانية سنوية لتطوير مختلف القطاعات التنموية التي تخدم المجتمع من منطلق "ثقافة رد الجميل للوطن".

نُؤكِّد المنطلق على أهمية تفعيل الجانب الإعلامي ومُشاركتنا في تسليط الضوء على البرامج والجهود الاجتماعية المبذولة لتشجيع الجهات الأخرى على البذل والتسابق في هذا المضمار، في سبيل تحقيق أكبر قدر من المنفعة للمجتمع؛ فلا بديل عن قطاع مسؤولية اجتماعية قوي، قادر على البناء الحقيقي طويل الأمد الذي يخدم المجتمع لعقود مستقبلية، وليس مُجرَّد هبات أو تبرعات تنتهي فعالياتها بإنفاقها خلال أيام معدودة.. إنها دعوة كي نشمر عن سواعد الجد والعمل بكل طاقة وفعالية.