"الشورى".. استحقاق وطني نتمسك به

◄ لست مع هؤلاء المتشائمين الذين يتحدثون عن أن المجلس ضعيف أو أنه مجرد ديكور

 

عبدالله العليان

عِندَمَا تَقتربُ انتخابات مجلس الشورى، ويلتقي المترشحون مع ناخبيهم، أو من يتوسَّم فيهم القدرة والكفاءة للتصويت لهم، يعمُّ الحديث والنقاش، وتختلف الآراء وتتقاطع، وتتناقض أحياناً، وما ينبغي أن يُحققه هذا المجلس في الدورة التاسعة.

هذه مُحصَّلة حيَّة وضرورية أنْ يكون هناك تفاعُل جَدي حول دور المجلس في دورة انتخابية المقبلة، وما ينبغِي أنْ يكون عليه من حيث استجابته لطموحات المواطنين، وتطلُّعاتهم في قضايا تمسُّ حياتهم الوظيفية والخدمية، وتلك مسألة طبيعية، وأيضاً هناك من هو عديم الثقة في دوره وتأثيره، خاصة في قضية التوظيف، وفي تطبيق قانون التقاعد الموحَّد الذي أمر به جلالته في نوفمبر 2013، لكن لا نَنسَى أنَّ مجلس الشورى أضيفت إليه صلاحيات في العام 2012، وهي جيدة ولامسة للكثير من المهام التي تعزِّز دوره وحركته الفاعلة في طرح الكثير من قضايا المواطنين، وهذه مُهمَّة الأعضاء أن يسعوا لتوظفيها لمصلحة الوطن والمواطن، لكنَّني لستُ مع هؤلاء المتشائمين الذين يتحدثون عن أنَّ المجلس ضعيف، أو هو مجرد ديكور، أو أنَّ الحكومة لا تستجيب للكثير من المطالب؛ فهذا الرأي السلبي للأسف لا أتفق معه؛ فالكثيرُ من المشروعات تتحقَّق من خلال الطلبات التي يطرحها المجلس، لكن قد تتأخَّر بعد انتهاء الدورة التي نُوقشت فيها الكثير من الاحتياجات، وأرَى أنَّ الأمر قد لا يتمُّ بين ليلة وضحاها، لكنَّ الشيء المهم الذي نتوخاه أن يكون الأعضاء فاعلين، بقدر المطالب الذي تهمُّ عُمان في المقام الأول، ثم مصلحة المواطن الذي هو -كما قال جلالته منذ بداية النهضة- "محور التنمية ومحركها".

صحيح أننا بعد 49 عاما من النهضة المباركة، ازدادتْ الاحتياجات، وأجيال جديدة تفاعلت مع عصر الثورة المعلوماتية، وتوسَّعت الكثيرُ من المطالب، والتعليم والمعرفة أرستْ تحوُّلات فكرية هائلة في رؤى الشباب -وتلك قضية عالمية مع كل الأمم والحضارات- لذلك فلا بد من مُسايرة الركب بتدرُّج محسُوب، مع مُعايشة لما يدور في رؤية هذا الجيل، ولابد من النظرة الواعية لهذه التحولات، وعدم تجاهُل الوعي الذي أصبَح عموميًّا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ونرى أهمية النظرة الثاقبة والاهتمام بمسألة الباحثين عن عمل كقضية محورية رئيسية، وأعضاء مجلس الشورى معنيون بهذه المسألة بصورة كبيرة، والمشاركة مع الحكومة في هذا الحل، وكذلك مع القطاع الأهلي. أيضا من الأمور التي تعتبر قضية محورية ومهمة -وقد كتبت عنها مرات ومرات- أهمية القضاء على الروتين والبيرقراطية، وتسهيل الإجراءات أمام الاستثمار، صحيح أنَّ الجهات المعنية بالاستثمار أزالت الكثير من المعوقات، لكن ما زلنا نحتاج إلى تغيير الكثير من القوانين الدافعة التي تجعل المستثمر مستجيبًا وساعيًا للاستثمار وبلادنا بحَمد الله مستقرة وآمنة، أيضًا من القضايا التي نراها من مهمة مجلس الشورى -بالتعاون مع مجلس الدولة- قضية استغلال الثروات الوطنية الطبيعية (التنويع في مصادر الدخل)، التي لم تُعطَ الأهمية الكبرى في الاستغلال، وهي ثروات سوف تحقِّق لنا عائدات كبيرة، رُبما تتوازى مع عائدات النفط، ومِمَّا قاله جلالته في هذا الجانب منذ عقود: "إنَّ جهودنا يجب أن توجه إلى تقوية اقتصادنا، وتنويع مشاريعنا الاقتصادية للتقليل من الاعتماد على المصدر (النفط). ولتحقيق هذا الهدف يجب أن لا نُبدِّد جهودنا ومصادرنا في إقامة مشاريع لا معنى لها، بل يجب أن نوجِّه كل شيء لتحسين مستوى حياة كل أفراد الشعب باستمرار، ولتقوية الدعائم الأساسية، والأمن والاستقرار".

وهذه تحتاج دافعية من النقاش بمجلس عُمان، في التنمية الوطنية في تنويع مصادر الدخل، وقد كتبتُ عن هذا الأمر وقلت ما نصُّه: "إنَّ الموارد المتاحة الاقتصادية والسياحية والإنتاجية واللوجستية والمطارات والموانئ، مُقوماتها تتيح الفرص الكبيرة لنهضة اقتصادية، وتعطِي الفرصَ للاستثمارات الكبيرة في دعم الاقتصاد الوطني، واستيعاب عشرات الألوف من العُمانيين في كل القطاعات الاستثمارية، وهذا ما يجعل السلطنة من الدول التي يُشار إليها بالبنان في المشاريع الاستثمارية الكبيرة ضمن دول المنطقة في المرحلة المقبلة". وعلينا كمواطنين ألا نستعجل الأمور فيما يتعلق بمجلس الشورى وصلاحياته، ودعوة البعض لمقاطعة التصويت، أراها دعوة عقيمة وهزيمة نفسية وعقلية، والتدرُّج في التشريعات والقوانين سمة بارزة من قائد هذه النهضة، وهذا التدرُّج لا يعني التراجع، بل التدرج سُنَّة كونية إلهية، وحرق المراحل أحياناً له مخاطره، ونستذكر ما قاله جلالته عن أن مجلس الشورى "وُجِد ليبقى ويتطور"، وهذا بلا شك إحدى السِّمات التي تجعلنا مُتيقنين من مسألة التطور والتجديد لدور هذه المؤسسة الشوروية، لما هو أبقى وأصلح.

--------------------

من التطلعات التي تحدَّث عنها بعض أعضاء مجلس الشورى السابقين، وبعض أصحاب القانون والرأي، أهمية إنشاء "محكمة دستورية"، تفصلُ في القوانين والتشريعات، من مجلس عُمان، أو مع اختلاف الغرفتين حول القوانين والتشريعات، وهذه بلا شك تُعتبر نقلة دستورية لمجلس عُمان، وهذا ما نأمله -بإذن الله- في قيادتنا الحكيمة برؤيتها الثاقبة.