النـــافـــذة


عبد الله الجيزاني | لندن
يطل من خلف النافذة، وجهٌ أليف، ترمقه بشوق، ملامحه تدخل قلبكَ بدون استئذان، تستغرق العمر كلهُ حالماً معهُ، كأنكما في بودقة واحدة، لا الهرب يحميكَ ولا الحضور يرضيكَ، وبقِيت هكذا حياتكم معلقة ، بلا خيار.
شغف النوافذ آنذاك لا يعوض، ليت الوقت يتوقف هناك وهناك تلد الف حكاية وحكاية، ولكي يذهب ما يحيل بين توقعاتك أو الخوف أن يكون شيء ما خلف الضوء.
ترصد حركة الستائر، ربما ذلك الوجه ينظر إلى الطرقات مجرد الفرجة أو يكون قاصداً ما تفكر به أنتَ، وهل اهتمامه كما توقعت يا ترى؟  
للنوافذ بصيرة تلهم الرواد، وتزيد من ولعهم، الأمر لا يتطلب أن تفكر بعيداً، إنه العشق، حينما يداهمكَ ستكون النوافذ مشرعة، وتحسن الاستقبال.
أحياناً تبقى الصورة ماثلة في الذاكرة، دون أن تمحوها السنون، ولكن ممكن أن تمر بحالة ضبابية، نافذة الباص كانت حاضرة في الذاكرة العصية، حيرة الرؤية للغائب.
 أهٍ لو يحضر،،  بعد كل هذا الغياب،  الصورة عالقة في وجدانكَ، وملتصقة فيكَ، حتى الثمالة لا تنسيك يا هذا؟، من أين جَبِلتْ روحكَ، وبأي المصائر ابتليت نافذتك تلكَ؟
وقديماً قال الثقاة: النوافذ تشيخ كالبشر، ولها عمرٌ افتراضي، تسهر به، وتضيع بين زحمة المسالك المملة، وتضع عليكَ عنوة، عدة قرابين فديه وتقرباً  لمالك حاجاتكَ الموهوب؛ بل يبدو ذلك إيغالاً برصد إلمامكَ المنحاز لهُ دوماً حتى أمست تهيأتهُ تعسفاً في الغالبِ، إضافة إلى أن الانتظار يؤذي العمر، ويقضم أغلبه.
***
لا جديد إن قلت، مضى زمان كانت به آراؤك لها بريقها، ويصعب الإبحار بدونها.
مشقة السؤال تقتل الرغبة، وتغدو نهاراتكَ ولياليك مسحة وجع لا يطاق، حتى وإن تسلحت بأحدث فنون الإبداع، تبقى خارج أسوار مدن اللهيب الزاوي، ماعليك إلا أن تنجز صياغة ورقة الشتات، ولتطمأن أكثر على مفردات القادم من شحة الانتباه.
***
النافذة المطلة على باحة الزهور، والبعيدة عن متناول يديكَ، حتى وإن تأتي إليكَ طواعية، يشاغلكَ الوقت المنصرم عندما تتجاوز الرغبات إلى الحقائق، وبدون مقدمات، يفاجئكَ الإصرار على الرحيل.
النافذة تلك
آنَّ لها أن تغلق
وما الغريب بالأمرِ؟
فقد أغلقت السبل المؤصلة اليها أصلاً قبل ذلكَ، بكثير، وفي زمن جميل، تذوقنا زهوه وألقه، أيضاً.

 

تعليق عبر الفيس بوك