للذاكرة سطوة


دارين عبد الله | ليبيا

تتلاشى معها الباديات من أمام نواظرنا وتتفتح عوالم أخرى وتتحرر من جمودها وتدب فيها الحياة ..
 ولولا سر الحياة في المقل لظن الناظر إلينا أنه الموت ،، ولربما هي ميتة صغرى حقا تجسد فيها كل مراحل الموت إلا ذلك الإنطفاء الهادئ الواجم !
تتغول أحيانا وننكمش أمامها ،، تنمو لها أذرع أخطبوطية كريهة وقاتمة ،،تحاصر اتجاهاتنا وتسدها  وتعتصرنا عصرا وتسحقنا ..
لكن ثمة أوقات ترق فيها وتحنو،، تهمس فيها برفق وتأتي لنا بصور عذبة بهيجة رقيقة الحضور .
للقلوب ذاكرتها
بعض البشر يملؤون منا أمكنة قصية،، ينحتون بتفاصيلهم مسارب في أعماقنا،، يلتحمون معها مكونين جدارية،، كيف تنزع منحوتة عن جدارية ؟!
هؤلاء يرممون أنفسهم بتلقائية ،،نستند إليهم في أوانات اليأس وهوانات قهر الزمن ،،في وحدتنا وخلوتنا،، حين اجترار أحزاننا وحين انتكاصات النفس وضعفها ..
أذكر مثلا عبارات قيلت لي من أشخاص أحبهم؛ كلما تذكرتها شعرت بأني أملك كل شيء وأن كل ما مضى وما قد يأتي في حياتي  هو بمثابة إطار صيغ لذلك اليوم الذي سمعتها فيه !
وأخرى تجعل قلبي يئن ،،تشعرني برغبة شديدة في التلاشي !
نحن نلعنها لحظات الألم ونحتضنها بشغف ونبجلها أوانات السكينة ..
نحن بلا ذاكرة مجرد أجساد هلامية !
ما زلت أذكر ذلك الشيخ الزرعي العينين !
يقولون انه مجنون ،، فقد عقله في الصحراء ..
يقف أمام الأبنية العتيقة وأعمدة النور، يحادثها ويعاتبها، يرفع عقيرته أحيانا بالغناء وأحيانا أخرى  بالسباب!
يتوعد بسبابته خيالات لا نراها نحن!
مالذي رشح من حياته السابقة وعلق بذاكرته وجعله يهدر ساخطا ويغني متألما بهذا الشكل المحزن ؟
مالذي استوطن فيها لينوح أحيانا بفجيعة كذئب جريح تخلى عنه قطيعه !!
حين يمر مسرعا وهو يتلفت حوله بتلك النظرة الخاطفة الضبابية الخافتة ،، يتوقف المارة في فضول،،  يصيخون السمع والنظر في شبق  علهم يظفرون بما يسليهم من أفعاله!
استطعت في مرة استيقاف الزمن!
اقتنصت عينيه في تلك اللمحة وهالني ما رأيت!!
عينان تموجان بنداء حزين،، عذابات أسر وقهر،، عينان كانتا هناك عند المدى القصي المحموم،، عينان استلب منهما شيء ما بريق الحضور،، عينان عرفتا أكثر مما ينبغي !

 

تعليق عبر الفيس بوك