قراءة حول مخطوط "ثالث القمرين في الأدب والدين" للعلامة سالم السيابي

...
...
...
...

إعداد: سند بن حمد المحرزي

ليس بعجيب ولا غريب ما نتدحث عنه ومن نتحدث عنه من خلال هذه الكلمات، إنه الشيخ العلامة سالم بن حمود بن شامس بن سليم بن خميس بن سالم بن عبيد السيابي السمائلي -رحمه الله- قاض نزيه، وفقيه نبيه، شاعر أديب، ونسابة قبائل العرب عموما وعمان خصوصا، ومؤرخ أرخ لعمان عبر الزمان -رحمه الله- ، ولد في عام 1326 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في قرية غلا، وتوفي 1414 للهجرة. اشتهر بغزارة علمه وموسوعية تأليفه بطرقه أكثر أبواب العلم التي أبدع فيها، وأضاف إليها، وأكمل نقصها، وجبر كسرها، وناقش مشكلها ومبهما، وكثيرا ما نطالع مؤلفاته التي تحمل الجديد والمهم على الساحة العلمية وما سنتطرق إليه في حديثنا خير دليل.

أما الآثار العلمية التي تركها الشيخ السيابي -رحمه الله- فكثيرة جدا، يذكر ابنه الشيخُ حمود بن سالم بن حمود السيابي أنها تبلغ ثمانين كتابا، ولعل الشيخ يقصد ثمانين عنوانا وإلا فإن كتبه يتجاوز عددُها الثمانين؛ لأن بعضها يقع في مجلدات، منها العقود المؤصلة في الأحكام المؤصلة ثلاثة مجلدات، وإرشاد الأنام في الأديان والأحكام خمسة مجلدات وغيرها...، وقال الشيخ عبدالله بن راشد السيابي (قد أوصلها بعض الباحثين إلى سبعة وثمانين مؤلفا بل رأى البعض أنها تزيد عن ذلك).

مهما وقع الخلاف في عدد مؤلفات الشيخ -رحمه الله- إلا أن المتفق عليه أنها كثيرة وغزيرة، وهذا المخطوط الذي بين أيدينا (ثالث القمرين في الأدب والدين) لم يُذكر ضمن المؤلفات المشهورة التي ذكرها من كَتَب عن الشيخ أو عن كُتُبِه، فهو يعتبر حديثا بين مؤلفات الشيخ سالم بن حمود السيابي -رحمه الله- وخصوصا المؤلفات المخطوطة منها، وهذا المخطوط وصلني من الشيخ الأديب شاعر القطر العماني شاعر الأدباء وفقيه الشعراء هلال بن سالم بن حمود السيابي حفظه الله.

وصف المخطوط

كَتَب الناسخُ ما أملاه عليه الشيخ -رحمه الله- بالأدوات الحديثة، حيث كُتِب المخطوط باللونين الأسود –وهو الغالب- والأحمر، لقد نثرت كلمات هذا المخطوط في كراسة متوسطة الحجم، طولها 23سم، وعرضها 18سم، كل الصفحات ممتلئة بالسطور المضبوطة ضبطا دقيقا، في كل صفحة خمسة وعشرين سطرا.

وعدد أوراق الكراسة 175 ورقة، وجاءت الكتابة في ثلاثة وثمانين ورقة في كل ورقة من الجهتين.

أما من حيث سلامة المخطوط ووضوح الخط فلله الحمد لم تصبه عوارض المخطوطات من تلف أو تمزيق أو تهشيم أو تسرب الأرضة إليه، والخط واضح سهل القراءة جميل الرسم، وكل ذلك سببه أن المخطوط حديث نسبيا؛ حيث قيد الناسخ تاريخ فراغه منه (انتهى نسخه بقلم : محمد بن حسن بن محسن الرمضاني يوم 18 شعبان 1413هـ 10/2/1993م) في الصفحة 161 ولم يذكر تاريخ البدء.

منهج المؤلف في المخطوط

أولا: بداية المخطوط

في أول صفحة من صفحات المخطوط نجد العنوان (ثالث القمرين في الأدب والدين) ونجد كذلك اسم المؤلف مكتوب بهذه الصيغة تأليف الشيخ الفاضل العالم الجليل الفقيه سالم بن حمود بن شامس السيابي، وفي الصفحة التي تليها جاءت مقدمة في أقل من صفحة واحدة، وفيها حمد الله تعالى وأثنى عليه و ذكر نبيه بخير صلى الله عليه وسلم، وأشار في المقدمة إلى ما محتوى المخطوط فقال: (فهذا كتاب يحمل بين طياته كل معنى نفيس، ومطلب عزيز، وحكمة بديعة) وبعد المقدمة توالى طرح المواضيع ونقاشها، وهكذا استمر المخطوط إلى أن فرغ منه.

ثانيا: موضوع المخطوط

تفاوتت الموضوعات ومجالاتها وتفاوتت كذلك في عدد صفحاتها فلم تكن متوازنة، فمنها ما كان يقع في أربع صفحات إلى خمس (العلم – العلم يرغم أنوف الأعداء – البخل بالدنيا والشح بها- وغيرها...) ومنها ما يقع في صفحتين وثلاث (مخالفة الهوى من التقوى- الصدقة- وغيرها...) أما أطولها مناقشة فهو موضوع (الدين الإسلامي) بلغت عدد صفحاته أربعة وثلاثين صفحة.

أما الذي بين السطور فإنه يعنون الموضوع ويشرع في تقديم ما يناسب المقام بطريقته وأسلوبه في التأليف، ويستشهد باستشهادات تناسب الموضوعات من غير أن يذكر الكتب أو يحيل إليها، فالشيخ -رحمه الله-يكتفي فقط بذكر اسم العالم أو ذكر لقبه، ومثال ذلك في الصفحة الأولى قال: (وإلى هذا أشار العلامة أبو مسلم -رحمه الله-....) ولم يذكر الكتاب، وفي الصفحة 8 قال: (ألا تسمع قول جار الله.....) من غير ذكر للكتاب، وفي بعض الاستشهادات والاستدلالات ونقل النصوص يذكر الشيخ -رحمه الله- المؤلف واسم كتابه كما في الصفحة 23 (وهذا نظير ما جاء في الجوهر للإمام السالمي...) وفي الصفحة 70 (وقال ابن حجر في شرح البخاري...) من غير ذكر الصفحة والجزء. وأحيانا لا يذكر العالم إطلاقا، وأحيانا يأتي بلفظ (قال بعضهم) كما في الصفحة 10، كما استشهد بما جاء في مجلة الأهرام في عدد: 2/6/1966م ص138.

وبعد الاستشهاد بالنصوص يعقب عليها الشيخ -رحمه الله- مبتدئا بلفظ (قلت) كما جاء بذلك في الصفحة 23 و48 و60 وغيرها، ذلك لينتبه القارئ فيفرق بين الكلام المقتبس وكلام الشيخ -رحمه الله-، ويضع الناسخ تحت الكلمة اللون الأحمر لتمييزها ولتنبيه القارئ لما بعدها.

وعندما يستشهد بالحديث الشريف لا يذكر السند وإنما يقول مباشرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم....) مثاله ما جاء في الصفحة 5، وأحيانا يذكر السند من غير الإحالة الى المصدر.

ويتضح من ذلك أن الشيخ -رحمه الله- كان يعتمد على حافظته الوقادة لا على الرجوع إلى المصادر والمراجع في بعض المواضع أو أكثرها في نقل ما أراده لحظة التأليف.

وأما ما يخص الهوامش فإن الشيخ -رحمه الله- لا يأتي بها إلا في مواضع قليلة جدا لم تتعد ثلاثة مواضع، وذلك لتوضيح فكرته أو ما يرمي إليه كما في الصفحة ٢٤.

ويستعمل الشيخ -رحمه الله- العبارات اللطيفة التي تحفز القارئ وترفع همته كقوله في الصفحة 90: (وانظر أيها النبيه النير الفكر صافي السريرة الصحيح البصيرة...) وفي الصفحة 95 (اعلم)، وفي الصفحة 99 (واسمع ما يقوله أبو فراس)، وفي الصفحة 132 (اعلم أيها الأديب اللبيب) و (إليك أيها العاقل) في الصفحة ١٢٨.

ويذكر الشيخ -رحمه الله- بعض العلماء ومؤلفاتهم المشهورة ولو لم ينقل منها يقول في الصفحة 102: (وقد ألف أحمد الهاشمي كتابا أخذ الشهرة العالمية فطبع أكثر من عشرين مرة...) ويستشهد بأقوال الحكماء من غير أن يذكر اسم الحكيم فيكتفي بقول: (قال حكيم) في صفحة 120، ويقول كذلك: (ومن الحكمة) في صفحة ١٢١.

وينقل الشيخ -رحمه الله- عن الفلاسفة في الصفحة ١٢٨، (قال فيلسوف ماهر) ويسوق بعض أقوال المستشرقين في صفحة 131 (وقد قال برنارد شو) و(قال جوته شاعر ألمانيا الثائر) في الصفحة 133 و( وقد قال ولفركنتول سمث) في الصفحة ١٣٥، ويذكر أيضا أقوال جملة من المستشرقين منهم (أثردروز) في الصفحة 139، (وقال المؤرخ فيشر) في الصفحة 140، (وقال أيضا مستر إدوارد ورمسي) في صفحة 140، (المسيوأجين) في صفحة 141، وكذلك ذكر فلاسفة ومفكري الإسلام منهم ابن سينا وابن رشد والفارابي وابن باجة والغزالي وغيرهم في الصفحة 140.

ثالثا: نهاية المخطوط

 وفي نهاية المخطوط لم يأت الشيخ -رحمه الله- بخاتمة وإنما اكتفى بقوله: (وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم) ثم كُتِبَ بعد ذلك توثيق الفراغ من نسخ المخطوط (انتهى نسخه بقلم : محمد بن حسن بن محسن الرمضاني يوم 18 شعبان 1413هـ 10/2/1993م) وأخيرا أدرج الفهرست.

الموضوعات التي تناولها المخطوط

العلم، الفقه في الدين، العلم والعمل، فضل العلم، العلم يرغم أنوف الأعداء، علوم الأدب، الدنيا، البخل بالدنيا والشح بها، العمل من أجل الحياة، أحب الأعمال إلى الله، مخالفة الهوى من التقوى، بين التبذير والتقتير، في تقصير الأمل راحة النفس، الحقوق العامة في الإسلام، تحقيق معاني هذه الخمس الكلمات، مماراة الرجال إثارة للبغضاء بينهم، ما يريده الإسلام من المسلمين، الأصول العلمية في الإسلام، الصدقة، الضيف وحقوقه، تعريف الضيف لغة وشرعا، من حقوق الله إكرام الضيف، جواهر الأدب عند العرب، الأخلاق التي يتفاضل فيها الناس، الطعن في المذهب بغير علم، أدب الدنيا في القرآن، الدين النصيحة، تنبيه، من الحكمة في الإسلام، الخلافة والأمامة والأمارة، جواهر الاسلام، عظمة الله عز وجل في خلقه، الدين الإسلامي، الفهرست.

نظرة عابرة في المخطوط

لم يذكر الشيخ العلامة -رحمه الله- في المقدمة سبب تأليف الكتاب أو بالأحرى سبب اختيار العنوان؛ بيد أنه يتضح من مضمونه ومادته أنه كتاب أدبي وديني وفكري، فيه درر أدبية، وحكم ذات أهمية، وجواهر دينية وتربوية، ولمحات استشراقية -في الموضوع الأخير (الدين الإسلامي)- فهو نقاش مستفيض في أقوال المستشرقين والحكماء بل حتى المجلات والمقالات يتابعها الشيخ -رحمه الله- فلا يكتفي بقراءتها وتمريرها بل يناقش ويرد ويضيف عليها.

يناقش الشيخ -رحمه الله- ويرغب في كتابه في الموضوعات الأولى من الكتاب إلى أهمية العلم وخصوصا الفقه في الدين ثم العلم والعمل حيث يقول في الصفحة 10: (لا يخفى أن العلم مطلوب للعمل وقد قالت الحكماء: إن علما بلا عمل كحمل على جمل فيكون ثقلا عليه ولا فائدة فيه) وقد أورد في الصفحة التي تليها أبياتا للشافعي:

رأيت العلمَ صاحبُه كبيرٌ ***  ولو ولدَتْهُ آباءٌ لئامُ

وليسَ يزالُ يرفعُه إلى أن *** تُعَظِّمَ أمرَه القومُ الكرامُ

ويتَّبِعونَهُ في كلِّ حالٍ *** كراعي الضأنِ يَتْبَعُه السوامُ

فلولا العلمُ ما سعدَت رجالٌ *** ولا عُرف الحلالُ والحرامُ

وفي موضوع علوم اللغة والأدب قال الشيخ -رحمه الله- في الصفحة 26: (فالنحو يصلح اللسان العربي ويضفي عليه جمال النطق ويتوجه بتاج شرف لا يزال ينظر إليه أهل الأدب بالنظر الصالح فهو جمال اللسان وزينة العلماء ويعين على فهم معاني الكتاب والسنة واللغة العربية التي هي كلام أهل الجنة)

وذكر أيضا في الصفحة 26 من العلوم المهمة الشعر (ونفس الشعر ينبغي أن يأخذ الإنسان منه بحظ وافر لأن الشعر ديوان العرب).

وتحدث عن الدنيا في عدة جوانب وموضوعات إلى أن قال في الصفحة 40: (إن ختام هذا المقام بكلمة تتعلق بالبخل والبخلاء والأصل في ذلك حب الدنيا فبقدر حبها يبخل محبها فيجوع ولا يأكل، ويعرى ولا يلبس، ويظمأ ولا يشرب إلا أن يكون مجانا ويموت متوسدا صناديق المال وأكياس الدنانير والدراهم) فالشيخ لا يكتفي بالنقل بل ينثر درره الأدبية وتوجيهاته الدينية.

ونجد الشيخ -رحمه الله- يستشهد ويورد بما في الأدب والأدباء والعلماء والشعراء العمانيين للمناسبات والموضوعات التي يتعرض لها، ففي الصفحة 55 في معرض الحديث عن (مخالفة الهوى من التقوى) ذكر أبياتا من شعر الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي -رحمه الله- :

إذا ما دعتك النفس يوما لريبة *** فعاص على حال هواها و خالفِ

ولا تتبعها مدة العمر إنما *** اتباع هواها قائد للمتالفِ

وجانب هواها ما استطعت فإنما *** مجانبة الأهواء حرفة عارفِ

ومن المواضيع التي تطرق إليها الشيخ -رحمه الله- (الطعن في المذاهب بغير علم) ذكر موقف اعتراضه على أحد علماء المالكية في الصفحة 109: (ألا ترى الصاوي المالكي -أحد علماء المغاربة- تناول الجلالين يشرحه فلما جاء إلى سورة الكهف في آية الاستثناء قال: لا يصح أن يؤخذ بظاهر القرآن فإن الأخذ بظاهره كفر ولا يصح تقليد غير المذاهب الأربعة، ومن لم يقلد المذاهب الأربعة فهو مشرك فاسق ضال. فعجبت من ذلك الكلام الذي قاله هذا الإنسان الجاهل الذي يقول: لا يصح الأخذ بظاهر القرآن، و أن الأخذ بظاهره شرك وتقليد غير المذاهب الأربعة ضلال. فوقفت حائرا أقول سبحان الله!! من أين أتى هذا الشيخ بهذا المقال؟ وما هو دليله عليه؟ فكتبت لقضاة قطر: إني وجدت عن فلان كذا وكذا في شرح الآية الفلانية، فهل أنتم موافقون عليه؟ أو قائلون فيه؟ فأجابوني: لا بل لا نقول به ولا نرضاه بل هذا فساد. فأجبتهم: إن هذا يجب رده ونشره في كتيب صغير حتى يعرف الناس ذلك الضلال، الذي جاء به هذا العالم المتبجح بعلمه. فكتبوا ذلك في كتاب صغير. بقي في نفسي: كيف لم يقوموا عليه قبل هذا الوقت، ثم رجعت قائلا: لعل هؤلاء القوم لم يطلعوا على هذا الموقع الخاص؛ وهكذا الأحوال من علماء المذاهب الأربعة).

الفكر والاستشراق

ونختم حديثنا عن هذا المؤلف المهم بالموضوع الأهم فيه وهو موضوع (الدين الإسلامي) آخر موضوعات الكتاب الذي أسهب الشيخ فيه وأطنب، فساق كلام المستشرقين وناقشه وحلله فهو موضوع فكري يجمع بين الفكر والاستشراق، ومما يناسب المقام أن نذكر بعض النصوص التي ذكرها الشيخ فناقشها وعقب عليها، فقد جاء في الصفحة 149-150 (وقال هربرت في خطاب له إن شريعة الإسلام تحتوي على أسس أدبية جديرة بالإعجاب، وأعظم من ذلك النجاح في إخراجها إلى خير العمل، وتدعيمها بالتنفيذ. قال: وقال القس الفرد التيلسن الدنماركي: لا يجوز الحكم على ديانة بحسب ما نراه من صفات تابعها، خصوصا إذا نظرنا إلى أدناهم، ومع كثيرا ما نسمع مسيحيين يحكمون على الديانة الإسلامية بموجب ما يرون من مذابح الأتراك للأرمن أو غيرها من النقائض والعيوب عند البعض، فيحسبون ذلك من أصل الدين دون أن يعرفوه حق المعرفة.

ونحن نقول: إن الأتراك لما علوا في الأرض ورأوا لهم سلطة امتلأوا جورا وظلما، حتى طغت نفوسهم، وعظم جبروتهم على عباد الله، حتى تألبت عليهم البرية، فحطمتهم تحطيما، حتى أصبحوا ولا حراك لهم، وهنا سنة الله في عباده، في كل أمة طغت على من هو دونها، أرسل الله عليها من يلحوها كما يلحى القضيب، والدين الإسلامي بريء من أعمال أهل السوء، الذين لا ترى أعينهم إلا ما تهوى، ولا تقبل عقولهم إلا غيها، وتظن أنها لا تزول عن سلطانها. أما الإسلام فبعيد عن مثل هذه الأحوال التي شوهت بالدين من أهل الباطن، والكل تحت سلطان الله –عز وعلا- ولن يظلم أحد أحدا والله بالكل خبير، ولا من الانتصاف من الظالم. أما النصارى تولى عليهم السوء، حين جاء محمد – صلى الله عليه وآله وسلم- وقالت لهم ضلالاتهم: بثوه في سائر أممهم أن أمر محمد كيت وكيت، لقصد التنفير بهم، والتضامن والتناصر على المسلمين. فغار بشرف الإسلام قو،, وهلك به آخرون، ولكل درات. (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم) و المراد به القرآن. (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) قال: من الطبيعي بين الأفراد من أتباع الديانات التفاوت بضعف العقيدة في بعض، وقوتها في البعض الآخر.

وكذلك في التمسك بمبادئها و تعاليمها. قال: وكذا الحال في الديانة الإسلامية، وليس مما ينتقد به على الإسلام، وما قد يرى عند بعض المسلمين, أو طائفة من ضعف العقيدة أو شيء من الانحراف عن تعاليم الإسلام -الدين الحنيف-).

وجاء في الصفحة 155 – 158: (قال درابر: للفلكيين من المسلمين قد اهتموا أيضا بتحسين آلات الأرصاد وتهذيبها، كما اهتموا بحساب الأزمنة بالساعات المختلفة الأشكال، والساعات المائية، والسطوح المدرجة الشمسية، وهو أول من استعمل البندول –أي الرقاص- لهذا الغرض.

أما في العلوم التجريبية، فقد اكتشفوا الكيمياء، وبعضا من محللاتها الشهيرة، حمض الكبريتيك، وحمض النوتك والكحول. ثم قال: استخدم المسلمون علم الكيمياء في الطب، لأنهم أول من نشر علم تحضير الملاحات والأباذينات، واستخراج الجواهر المعدنية.أما في علم الميكانيكا، فإنهم عرفوا حدود وقوانين سقوط الأجسام، وكانوا عارفين كل المعرفة بعلم الحركة. قال: وكانوا أول من عمل الجداول المبينة لضروب الأوزان النوعية. وكتبوا أبحاثا عن الأجسام السابحة والغائصة تحت الماء. أما في نظريات الضوء والإبصار، فقد غيروا الرأي اليوناني الذي كان مقتضاه: أن الإبصار يحصل بوصول شعاع من البصر إلى الجسم المرئي، وكانوا يعرفون نظريات انعكاس الأشعة وانكسارها. وقد مثلوا بذلك الحسن الشكل المنحني الذي يأخذه الشعاع في سيره في الجو، وأثبت بذلك أننا نرى القمر والشمس قبل أن يظهر حقيقة في الأفق. وكذلك نراهما في الغرب قبل أن يغيبا بقليل.

ثم قال درابر ضمن اعترافاته: وإننا لنندهش حينما نرى في مؤلفات المسلمين من الآراء العلمية ما كنا نظنه من نتائج العلم في هذا العصر، من ذلك مذاهب النشوء، والارتقاء للكاينات العضوية، الذي يعتبر مذهبا حديثا كان يدرس في مدارس المسلمين، وكانوا ذهبوا منه إلى مدى بعيد أبعد مما كان وصلنا إليه وذلك بتطبيقه على المعدنيات أيضا. وقال درابر في كتابه المنازعة بين العلم والدين أيضا: سلك علم العرب المسلمين إلى أوروبا المسلك نفسه الذي سلكته دياناتهم، وذلك أنه انهمر عليها من طريقيـن وهما جنوب فرنسا من جهة الأندلـس، وجزيـرة صقلية -سبيسيليا- ومما ساعد علم العرب على الانتشار في أوروبا اعتزال اليابوات في مدينة فينون، والتفرق العظيم الذي كان موجودا في المسيحية إذ ذاك؛ فلهذا السبب تمكن العلم من ترسيخ أقدامه في إيطاليا من جهة الجنوب. قال: و برسوخ قدمي العلم هناك امتد سلطانه على جميع البلاد الإيطالية، وساعد على نشره وتكثير أنصاره هناك زيادة عدد الجمعيات العلمية، وكان ذلك على مثال ما وجد في غرناطة وقرطبة تحت سلطان العرب عامة إلى العلم والبحث والتنقيب والكشف والصناعة، لأن إعداد القوة لايمكن إلا بذلك كله، لأن المراد من الإعداد والكشف والصناعة، لأن إعداد القوة كما تدل عليه الغاية من أمر الإعداد، وهي الإرهاب الذي ينص عليه في آخر الآية، وهو قوله: (ترهبون به...) كما أثبتناه في كتابنا بالفارسية عسكريت دار إسلام، وتعليمات إسلام بعالم عسكري، ورسالتنا إلى الجندية أيها العرب.

ويقول الإسلام في كتابه -أيضا-: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا...) أي جميعه خلق لكم لا لغيركم. قال: وبهذا كذلك يحرص أتباعه المسلمون على البحث والحفر ليكشفوا. قلت: أما كشف القبور فلم يخلق لنا، بل لا يجوز كشف أسرار... القبور، ذلك ما نهانا الله عنه، لا مما أمرنا به، أما كشف ما في الأرض من الخبايا من المعادن، فنعم، لأن الله نهانا عن استطلاع ما في بيوت الناس، والقبر بيت مدفون، إلا إذا ظننا أن القبر لم يكن قبر مسلم وأنه دفنت مع أمواله أو شيء تدعوا الحاجة -كما قال- من الكنوز والمعادن المختلفة التي خلقها الله -عز وجل- لاستفادة المسلمين بها ولمنافع المسلمين على العموم.

قال: ويقول الإسلام في كتابه: (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) ويقول القرآن الكريم: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون) أي يعلمون أنها -أي هذه الأشياء كلها- مسخرة لكن لا يعلم هذا التسخير لماذا؟ وما المراد به؟ فلا ينتفع بذلك إلا الذين يعلمون المراد بهذا التسخير، فإن الله عز وجل غير محتاج إلى شيء).

يتضح مما سبق أن الكتاب من الطراز الأدبي العربي ممتزجا بطريقة العلماء العمانيين في التأليف، وهو كتاب أدبي جامع للأدب والفكر والتوجيه الديني والفكري، وفي بعض صفحاته ناقش الاستشراق والمستشرقين، ونقدهم فيما جانبوا فيه الصواب وأنصفهم فيما أصابوا فيه الحق.

تعليق عبر الفيس بوك