"يسألونك عن الأهلة"

مدرين المكتومية

"يسألونك عن الأهلة"، آية كريمة في سورة البقرة يتحدث فيها الله عز وجل مع نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول له إن المسلمين سيسألونك ويستفتونك عن رؤية الأهلة، وكانت الإجابة في نفس الآية أن قل يا محمد "هي مواقيت للناس والحج"، ونرى هنا أن القرآن الكريم جاء بكلمة "مواقيت" وهي جمع، في إشارة- على ما يبدو- إلى أن رؤية الأهلة تختلف من بلد لآخر، كلٌ حسب رؤيته بالآلية التي يتم الاتفاق عليها، سواء كانت بالعين المجردة أم بالمناظير، أو حتى وفقا للحسابات الفلكية الدقيقة والتي تقدمت كثيرا بفضل تطور العلوم والمعارف.

وقد صاحب رؤية هلال شهر ذي الحجة هذا العام (1440هـ)- وهي ليست المرة الأولى- كثير من اللغط وتعدد الآراء والاختلافات، دارت كلها حول كيفية الرؤية الصحيحة لهلال الشهر المحرم.

وأرى أن ثمة نقطة معينة هنا إذا ما سلطنا الضوء عليها تبين الحكمة من اختلاف رؤية الأهلة بين بعض الدول والمناطق.. وحول هذا يقول الشيخ الشعراوي متسائلا: ".. هو احنا بنصلي الظهر كلنا في نفس الوقت؟". سؤال الشعراوي فحواه أنّ الاختلاف طبيعي نسبة لاختلاف الجغرافيا وخطوط الطول ودوائر العرض؛ وبالتالي اختلاف مطالع الأهلة التي تُمكّن البعض من رؤية الهلال بينما تتعذر رؤيته على آخرين؛ فلقد أوجد الله الأرض كروية لذا بديهي جدا أن تختلف مطالع الأهلة والتواقيت والأزمان بحسب الفارق الجغرافي.

ربما لو كان العيد هو عيد الفطر لما دار مثل اللغط والجدال؛ ولكن لأنّ عيد الأضحى له خصوصية شعيرة الحج التي تقام في زمن واحد ومكان واحد يجتمع فيه حجاج بيت الله بمختلف ألسنتهم وسحناتهم وانتماءاتهم الجغرافية، ليقفوا بقلوب خاشعة ومتضرعة وراغبة في الثواب.. جميعهم لديهم نفس الهدف ونفس الفكر، يتحدون في كل شيء ليقفوا أمام خالقهم ليطهروا أنفسهم من كل الشوائب والسوء، يأتون بكل حب لا تفرقهم بلد ولا تقف أمامهم أي توجهات تحكم انتماءاتهم.. يأتون لطلب الرضا من الله والقبول والرحمة، وأن يعم السلام أرجاء الأمة الإسلامية.. يأتون ليهتفوا جميعهم "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك" وبصوت واحد ومشاعر واحدة وبسعادة مطلقة لا يشعرون إلا أنّهم في أفضل بقعة من بقاع الدنيا.. يشعرون بالوحدة وتمسكهم بكل القيم النبيلة التي جاء بها الدين، وبإنسانيتهم وفطرتهم الأولى متجردين من كل أثقال الحياة راغبين بالانفراد والتفرد بين يدي ربهم.

إنّ شعيرة عظيمة مثل الحج وبوصفه ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام يجب أن يلقى إجماع جميع المسلمين، وأن يكون نموذجا للوحدة المنسجمة مع وحدة المكان- بيت الله الحرام- وكذلك وحدة الزمان والتوقيت، لذا يجب أن نُعمل تفكيرنا في إيجاد آلية علمية مناسبة لتحديد زمانه وأوانه، يكون متفقًا عليها وبإجماع جميع المسلمين في الدنيا.

ويبدو لي أننا أمام حل واحد، لا ثاني له، حتى نضمن عدم تكرار اللغط والجدال غير المثمر مرة أخرى؛ وهو أن نؤمن جميعا بسنة الاختلاف، فقد قال النبي المصطفى "صومه لرؤيته وافطروا لرؤيته" ورغم أنها تتحدث عن شهر رمضان، لكنها تنطبق على مبدأ رؤية الأهلة بشكل عام، وهذا يعني أنه قد تكون غرة الشهر في بلد ما سابقة أو لاحقة لبلد آخر، حتى ولو كانا متجاورين جغرافيا، وأنه يجب علينا جميعا أن نؤمن بأن لكل دولة ميقاتها، فصلاة الظهر لا نصليها في وقت واحد، فكيف نصوم أو نحتفل بعيد في يوم واحد، رغم تباعد المسافات بين الدول وتعاقب الليل والنهار؟!

وأخيرا.. يجب أن ندع اختلافاتنا الفقهية جانبا؛ حتى لا تكون سببا في تفرقنا وتبايننا حول هذه الشعيرة التي أمر بها الله من فوق سبع سماوات.