البعد الفكري والحقيقة

 

 

فاطمة الحارثي

 

تأتي أزمة في إحدى زوايا أو أركان المنزل مثل قط متطفل فتصدر جعجعة في المطبخ حتى يُلفت أحدهم الانتباه بعيداً عن جوهر الحقيقة ويمارس الآخر استراتيجيات الإخلاء دون أن يعلم معظم من في المنزل ما يحدث.

هذا هو قلب وجوهر السياسات المتبعة على كافة الأصعدة والجهات، لا يستطيع معظم الناس المضي بشكل مباشر إلى ما يصبو إليه ربما لمعتقد بأنه ليس وحيدا وربما رغباته تتعارض مع مصالح الآخرين لذلك يخلق (بدهاء ومكر) لعبة الصعود أو بلوغ الهدف. إنه أشبه بالطفل الذي يكسر جهاز أبيه ثم يأخذ قطعة منه لسرير أخوه الأكبر حتى يفلت من العقاب، أو زميل عمل يدَّعي أنه يُريد مساعدتك ويطلب منك أداء عمل ما ثم يُقدم مجهودك باسمه دون علم منك ويلفق عليك سوء السلوك أو الالتزام ليغيب حقك في متاهة إنذار ما أو سمعة سيئة لا ذنب لك فيها سوى حسن الظن. هذا ما نستطيع أن نلاحظه أيضًا على مستويات كُبرى كأن تأتي دولة على أخرى بدون جُرم لإخفاء حقائق وبواطن الأمور، يرى فيها صغير العقل أنه لا بأس من هدر أرواح وتشريد أنفس من أجل أن يفلت من العقاب.  كم من أدلة وبراهين غابت عن أعين الناس في جعجعة الإشاعات والكلام الفارغ، بل كم من دليل دُفن بين دموع ودماء الناس فنجد الناس يشتغلون بظواهر الأمور دون الباطن ليسرد التاريخ بعد حين من الزمن تغيرات وأحداث لم يرها حاضر الوقت ولم يتوقع نتائج التصعيدات لأنه جانب رؤية محدودة من زاوية ضيقة وليست الصورة الكلية لتلك الأحداث مثل قطعة لعبة (ليجو) مجموعة من اللبنات تشكل مجسم الواقع والصورة الكاملة لمجريات الأمور وحقائقها والغالب منى يندمج مع أهازيج حركة وتفكيك القطع دون عن الفعل الحقيقي والصورة النهائية للأحداث.

إنَّ الوطن ليس أهازيج أو شعارات أو حتى حمية جاهلية، إنه السكينة والسكن والانتماء، إنه أنا وذريتي وأنت وذريتك وخلافة الله على الأرض. يسهر عليه من أدرك غياهب البقاء والأمان وينهش كل ضارٍ أو صاره في جهل أنه ينهش أمنه واستقراره وهويته، مثل إبليس أخرج نفسه من الجنة لغلبة نفسه عليه، الحسرة تأكل صانعها ومع هذا تستمر الحياة، لا تقف لأحد أو من أجل أحد في جميع الأحوال سواء ونحن على الأرض أم في حياة البرزخ أم الحياة الآخرة.

حضر الجميع على هذه الأرض من أجل إتمام عمل من سبقهم ووصل سلسلة الحياة لتحضيرها لمن بعدهم في تعاقب لا إعوجاج فيه بأمر من الله ومن يُخالف حكم الله ينزل جند الله ليحق الحق ويزهق الباطل؛ يتشدق مدعي الوطنية كثيراً بأهمية الالتزام وضبط النفس من أجل الوطن والبناء، بل ويفيض في مآثر الخير مع ملاحظة أن كل فعل خير يأتي به تصحبه ضجة إعلامية ولا يعي المتابع إلا الظاهر ويعلم الله الرياء في قوله وفعله، إن فعل العطاء لا يحتاج إلى تمثيل ودراما إعلامية يحرص فيها أن يعلم الجميع أنه مثال يقتدى به. وهو في غي وظلم ونهب للخيرات، الكثير من الناس ينسوا أهمية تذكير بعضهم البعض الحق ليحق عليهم قول المولى عزّ وجلّ "كانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)" أن تأتي بفعل منكر أو التحدث بالسوء عن أرض احتضنت ألم من وضعتك كُرها وامتصت صدمات سقوطك صغيراً وطفلاً ومراهقًا بهدوء وصرف القائمون عليها الكثير في تعليمك في جميع مراحل دراستك المجانية سواء على أرضنا الطيبة أو مبتعثا خارجها وأعطتك هوية تطوي بها عباب الأرض من شمالها لشرقها لغربها دون أن تطأطئ رأسك، لم تسمح بأن يُدرج في قائمة الوظائف عمل خادم منزل أو أية وظيفة قد تؤذيك مثل الكثير من الدول الأخرى، عملت منك إنسانا كريما وأعانت من كان قبلك ومستمرة في الحفاظ على أمنك وأمن ذريتك ومن حولك. 

إن الوطن شامخ باق في نهضته بيد المخلصين رحيم على من ضل ولكنه شديد البأس على من خان أو سولت له نفسه المساس بأرضها وأهلها مهما بلغ عددهم لأن الله مع من يطبق شريعته ويُدرك مهام خلافته على الأرض.

 

رسالة

"كن عزيزا وإياك أن تنحني مهما كان الأمر ضروريا فربما لا تأتيك الفرصة لكي ترفع رأسك مرة أخرى"، "آفة القوة استضعاف الخصم" عمر المختار.