فاطمة الحارثي
عندما ظهر رواد "النظرية الحديثة للإدارة" ناقشوا التعاقب بين الإدارة الديمقراطية والبيروقراطية والمؤسسات العالقة بين النظامين ويُسميهم ميشلز "الأوليجاركية" أي حكم الأقلية بمعنى اتباع مجموعة من الأفراد نظام الإدارة التشاركية فيما بينهم "الديمقراطية" وفرض سيادتهم بآلة "البيروقراطية"، "بلغة بسيطة حكم الأحزاب" والتعاضد بينهم يكون أكثر قوة وتأثيراً بحكم أنهم مجموعة تمتلك ذات السلطة الإدارية والمصالح المتبادلة والمشتركة.
"يرى البروفيسور كارفر أنَّ التنازع صفة أساسية في الطبيعة البشرية، حتى التعاون في رأيه ما هو إلا صورة من صور التنازع فالإنسان يتعاون مع بعض النَّاس ليكون أقدر على التنازع ضد البعض الآخر" علي الوردي
ماهية نظام الإدارة التشاركية ارتبط منذ ظهوره بالإنسانيات على هيئة أبحاث وحلول مستحدثة من أجل التوفيق بين الأزمات الاقتصادية والحافز على استمرار الأداء؛ لما لهذا النظام من تأثير واشتغال على خلق روح الجماعة في إبقاء عجلة العمل قائمة؛ ونجد في نظام الإدارة التشاركية أبعاداً وجودية حيث إنَّ للأداء عمقاً ذا مدد سواء في نمط تشكيل القرار وآلية التطبيق وقوة التنفيذ وضعف المُقاومة وإدراك المخاطر لنا أن نضيف إلى ذلك استحداث حالة التطور المُستمر رغم عدم استقرار أداء السوق؛ وإيجابية تنم عن المرونة لتمكين الفكر وتوائمه مع مجريات التكنولوجيا والمتغيرات الثقافية.
في أي مؤسسة عند الشروع في تطبيق النظام سريعًا ما نجد المُقاومة والتشنج في العلاقات لأنها أقرب إلى الإنسانيات منها إلى الربحية وأصحاب هذا الفكر يؤمنون بأنَّ الإدارة قلب أي عمل ناجح بالتالي لا يجب أن تترك للمديرين فقط مما يتعارض مع فكر الاستبداد والسلطوية واتباع الفردية في القرار والممارسات البيروقراطية.
إن الإدارة التشاركية تمنح تكافؤ الفرص والتعاون وتغرس المشاركة الوجدانية والانتماء والأهم "بالنسبة لي" تقديم المصلحة العامة وإشباع الحاجات النفسية والاجتماعية للفرد العامل والقدرة على التخطيط وحل المشكلات وتعلم مهارات القيادة والتنبؤ بالمشكلات وطرق الوقاية وتخلق النقد الموضوعي مما يُمكن الأفراد من تقبل الرأي الآخر والتفاعل الإيجابي.
قدم العديد من العلماء ماهية الإدارة التشاركية إثر أبحاث ودراسات كثيرة على مر العقود؛ هذا لما تمتاز به الإدارة التشاركية من نتائج ملموسة في تحقيق الأهداف واهتمام القيادة فيها بالتحفيز وتولي أهمية بالغة للعوامل الثقافية والسلوكية في بيئة العمل. كما هو معروف يرتبط بقاء الإنسان بالحاجات وهذه الحاجات هرمية التفاعل فكلما أُشبعت الحاجات أسفل الهرم نشطت الحاجات الأعلى منه وهذا يبرهن تغيير الإنسان المستمر وتقلبه سواء في السلوك أو التفاعل مع المحيط والآخرين. ولبيئة وثقافة العمل الدور الأكبر في تمكين الوعي لتلك الحاجات وشروط بقائها ونجد أن الثقة والقدرة والمساواة حوافز هامة فعند إشراك الموظفين بناءً عليها يرفع معنوياتهم من مستوى الأجير العادي إلى مستوى الشريك الذي يهمه أمر المؤسسة ويتبنى أهدافها فتتشكل بيئة عمل تسودها العدالة والشفافية والولاء.
السعي لبلوغ مرحلة التشارك في هرم التطور الإداري والقيادي يحتاج إلى الرضا والتوازن وهذا يُعطي بالمقابل قوة وعمق التفاعل بين القائد والمرؤسين لتنبثق الرقابة الذاتية من رحم التعاون والثقة؛ وللسير قدما نحو آيدولوجيات الإدارة التشاركية لابد من امتلاك المهارة الإنسانية والمهارة القيادية والدمج والتوفيق بين القيادة المهتمة بالعمل والقيادة المهتمة بالموظف.
إنَّ الإدارة التشاركية مطلب فكري هام للحفاظ على ثبات أسس التطور والمنفعة العامة ووجب على معتنقي هذا النهج الموافق لشريعة الشورى الإسلامية وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ سورة الشورى. أن يعملوا بكل جهد على تطبيق النظام بالأسس العلمية المناسبة لمؤسساتهم والعمل على إبقاء النظام واستمراريته من أسفل الهرم إلى أعلاه.
رسالة
لابد من أن تُطوى الأرض علينا يومًا قد يكون قريباً وقد يكون بعيدًا، لن نحمل معنا الألقاب كمدير أو مشرف أو مسؤول أو مستشار أو دكتور أو بروفيسور أو أكاديمي؛ سيُنادى علينا بـ "جثة" جميعنا دون استثناء، لتبدأ الحقيقة التي يُسميها البعض بمفردات هجينة كالطيبة التي يقول البعض عنها غباءً والبساطة والتواضع الذي يُعد لدى البعض ضعفًا؛ نعم قد أقف بالقرب منك أو ملك أو سلطان أو فقير أو عزيز أياً كان بإرادة الله ورغبته دون ألقاب أو مواعيد أو استذان مجردين من كل البروتوكولات.
العمل الدؤوب، العقل الراجح، الشجاعة في إبداء الرأي ولو خالف الكثير يبقى زاداً مهماً لحياة خالدة.
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).