المنظومة الإعلامية المتكاملة

مدرين المكتومية

لم يَعُد دَور الإعلام اليوم مُقتصرًا على نقل الخبر أو التواصل مع الجمهور، بل إنَّ تأثيره بالغ القوَّة على مجريات الأحداث -منذ فترة ليست بالقصيرة- يجعلنا نؤكِّد على أنَّ الإعلام هو صَانع الرأي العام الأول بامتياز، وأداة ذات حدين في التعاطي مع المسيرة التنموية في أي بلد كان؛ من خلال ما يُكرِّس له من صُور ذهنية وتشكيل لوعي الجمهور المستهدف.. واليوم، وفي ظل متغيرات متسارعة أوجدها الفضاء الرقمي ونشوء العديد من الأدوات الإعلامية الجديدة، أخذ البعض الصراع بين هذين النمطين من الإعلام -وأقصد التقليدي والرقمي- إلى ساحات عِرَاك سَلبية، مُنقَادين خلف ضبابية في التعامل مع تفسير مفهوم كلٍّ منهما، جعلت من كليهما عدوًّا ومنافسًا للآخر، في واقع للأسف الشديد مجافٍ للحقيقة.

وبدلًا من أن يحاول المعنيون والقائمون على أمر الآلة الإعلامية -بوسائلها التقليدية والحديثة- الاستفادة من الطَّفرة المتحققة لكلا النمطين، وإيجاد نقطة انطلاق مشتركة تضمن رسالة إعلامية إيجابية ومتوازنة وهادفة، تقوم على الطرح البنَّاء الأفكار والرؤى الداعمة لتحقيق النماء، وخلق حالة تكامل بين الإعلامَيْن، أساسها المصداقية والموضوعية والحيادية مع سرعة الوصول للجمهور، انبرى الجميع في تعميق الهوة بين كل ما يندرج تحت مسمَّى الإعلام التقليدي والرقمي، وتعمَّق كذلك الخلط بين وسائل الإعلام الرقمية وحسابات التواصل الاجتماعي المملوكة لأفراد...وهكذا دواليك.

وهي الحالة التي لم تَقِف أمامها "الرؤية" -كما هو عهدها دائمًا- مكتوفة الأيدي، فمسؤوليتنا الإعلامية ومن قبلها الوطنية والمجتمعية، استدعت تدخلاً عاجلًا يُشبه فيما يبدو مشرط الطبيب الحاذق، بإيجاد منصَّة نقاش إعلامية واعدة، تهيئ المسار أمام الخبراء والمختصين لصياغة معايير تنظِّم العلاقة بين الإعلام التقليدي والرقمي، وتضع مجموعة من الضوابط والموجِّهات المهنية، وفق توصيات منهجية عملية ومخرجات ورش عمل تدريبية ترفع كفاءة الكوادر المشتغلة بمجالي الإعلام التقليدي والحديث، فكان "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي" -وبعد نجاح واسع رافق دورته الأولى العام الماضي- بمثابة إلقاء حجر في ماء الاختلاف الراكد بين مؤيدي هذا النمط الإعلامي وذاك.

فعلى بُعد حوالي 15 يومًا من الآن، وعلى أرض الخريف ضمن مهرجان صلالة المتميز، يجتمع خيرة من الكفاءات والخبرات الإعلامية الوطنية والخليجية والعربية، على مائدة نقاش واحدة ولمدة يومين، في الدورة الثانية من الملتقى، تحت شعارٍ كبير تم اختياره بعناية فائقة ألا وهو "الممارسات الاعلامية.. التزامات وطنية ومهنية"، بهدف إتمام رسالة الدورة التي انطلقنا نحوها منذ الدورة الأولى تحت شعار "إعلامنا هويتنا".

الدورة الجديدة من "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي"، تنعقد وِفْقَ محورين رئيسيين؛ الأول يحمل عنوان "تنظيم الإعلام الالكتروني.. إشكاليات الحرية والرقابة"، فيما تم عنونة المحور الثاني بـ"الشائعات.. إستراتيجيات المواجهة وأسس بناء الرأي العام"؛ بالإضافة إلى تخصيص ورشتي عمل مصاحبتيْن يقدمها متخصصان من خارج السلطنة، الأولى بعنوان: "مهارات كتابة المحتوى الرقمي وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي"، والثانية: "طرق التحقق من الأخبار الكاذبة"، أملا في الوصول إلى بيان ختامي يضمن إيجاد تكامل بين المنظومة الإعلامية التقليدية والحديثة؛ لتكون أكثر انضباطًا ومهنية.

... إنَّ العلاقة بين الإعلاميْن التقليدي والجديد هي علاقة تكامُل وليست صراعًا، وهو ما يجب أن تتضافر كافة الجهود من أجل إنفاذه واقعًا على الأرض لتحقيق أعلى معايير الاستفادة وطنيا وإعلاميا ومجتمعيا.. وهذا هو عين رسالة وأهداف "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي".. كُل التوفيق للجميع.