القربة المثقوبة لا تبقي مَاءً

 

حمد بن سالم العلوي

 

إنه مهما عملتم من قرارات لرفع الرسوم والضرائب، وقد لا يكون آخرها رفع رسوم توصيل الماء إلى المساكن والمباني، فكل هذه الإجراءات تصبح عبثية ودون فائدة تذكر، بل إذا كنَّا نشكو من خواء الخزينة العامة، فسيتبع ذلك خواء لجيوب الناس، ونحن جميعاً نعلم أن ليس لكل الناس القدرة على التَّحمل والصبر، وقد تدفع هذه الأمور بالبعض إلى البحث عن مصادر أخرى للهرب والتهرب، أو التعويض عن إفراغ الجيوب بوسائل أخرى، وذلك لتغطية أخطاء المسؤولين في الدولة، ترى هل فكَّر المسؤول في ارتدادات هذه التصرفات على الأمن القومي للبلاد؟! وهل قلَّب القرار على أكثر من وجه قبل اتخاذه؟ على ما يبدو أن النظر موجه في اتجاه واحد، ألا وهو تغطية العجز، وذلك لن يتم قبل ترميم البيت من الداخل، وسد الثغرات الكثيرة التي أحدثتها طفرة المال، وذلك أيام تجاوز برميل النفط 100 دولار.

لقد أصيب بعض المسؤولين، بحمى التسابق في أخذ القرارات السالبة للمال، ولم يدركوا قبل سلب هذه الأموال من أصحابها، معرفة مصدرها بداية، فإذا الحكومة لا تعطي أموالاً من خلال مشاريع، والتجارة متعثرة بين شريحة البسطاء، والشركات الصغيرة والمتوسطة لا تجد أعمالاً تدعمها، وفوق كل ذلك تُهلك بالرسوم والضرائب، والعقد البيروقراطية الإدارية القاتلة، أما الشركات الكبيرة فهي تسرح وتمرح، وحتى زكاة أموالها مجهولة وربما لا تدفع، والكل يعرف أن الشركات الكبيرة تأخذ وحسب، ولكن القليل منها من يعطي الشيء اليسير، وإذا شعرت أن الربح أكبر لدى دول الجوار، سارعت إلى فتح أفرع لتجارتها هناك، وباعت بالرخيص منافسة للشركات في الوطن، وهي نفسها في الوطن تبيع بأسعار كالنار الحامية، وكأن الجميع في تآمر خبيث على هذا الوطن.

إنَّ القربة المثقوبة لا تحتفظ بالماء، وهذا المثل ينطبق على الهدر الكبير للحكومة، بدءاً بالرواتب الخيالية للمسؤولين - ويا ليتها تشبع أحدا منهم - ثم العلاوات والبدلات والميزات والسيارات العديدة والوقود المجاني، حتى إذا ذهب المرء يطلب مقابلة مسؤول ما، سيقال له إنه في اجتماع، وهو قد يكون كذلك، فكيف لا يفعل وكل اجتماع سيأتي له بآلاف الريالات شهرياً، والطامة الكبرى تكمن في الشركات الحكومية، أكانت تربح أم تخسر فهي في الصرف سواء، وطبعاً خسارة الشركات الحكومية بالملايين، ولكن المصيبة أن رواتب الرؤساء التنفيذيين بأرقام فلكية، وكأنهم يمطرون ذهباً وفضة على الدولة، فراتب الرئيس التنفيذي الواحد في شركة حكومية يساوي رواتب ثلاثة أو أربعة وزراء، وهذا ليس كل شيء، وإنما هناك خدمات كثيرة والسفر على الدرجة الأولى هو والأسرة الكريمة، وكل الحاشية المرافقة، وهناك "البونص" أو المُكافأة السنوية التي تصل إلى الملايين، يتقاسمها علية الموظفين، ولا ينسون بقية الموظفين من رذاذهم الحميد.

لن تسير الأمور على ما يرام هكذا، طالما هناك عقليات في الحكومة، وهناك من يعتبر المال العام مثل لقاط "الرايح/ الرايحة" وأنه حلال زلال عليهم، ومحرماً على غيرهم، إذن علينا أن ننظم الشأن الداخلي أولاً، ومن ثم نبدأ بخطط الحصاد، ولكن بأيدي تحب الوطن لله وفي الله، لديها القدرة للعمل والعطاء، وذلك قبل التفكير في أخذ العطايا والهبات، وأن يخصص للمسؤول سيارة واحدة للعمل الرسمي، وحضور المناسبات الرسمية، وعليه أن يشتري من راتبه ما يشاء من السيارات، وكيف لا وهو يأخذ ذلك الراتب الذي لو قُسِّم على مائة موظف لكفاهم، وأن يمنع تجوال السيارات الحكومية بعد الدوام الرسمي، وذلك على الجميع أكان مسؤولاً كبيراً أم موظفاً صغيراً، كما يُمنع استغلالها أثناء الدوام الرسمي، إلا رسمياً، وطبعاً الأصح أن نقول الدوام الرسمي، وليس العمل فهناك قليلون يعملون ولكن الجميع يداوم.

إنَّ الدخل الذي تسعى إليه الحكومة، ستأتي به الإدارة الذكية الجاذبة، وليس العقد وكثرة الرسوم المنفرة، وهذا عُرف بالتجربة والممارسة العملية، ولا نحتاج إلى خبير من البنك الدولي حتى نعرف أبجديات التجارة، والدول تقوم على الشركات الصغيرة والمتوسطة، لذلك نطالب بدعمها والوقوف بجانبها ومساندتها حتى تستمر، وليس تكسيحها بالإثقال عليها بالرسوم والضرائب، وتعقيدات الإجراءات والمماطلات، وبالتالي نفتح الباب واسعاً للتجارة المستترة، والتي يرعاها بعض الكبار تحت مسمى الوكيل المحلي، الذي تنحصر مهمته في التسهيل والتيسير، وقد لا يكون مستفيداً كصاحب التجارة الحقيقي، فنقول كفى مغالطات ومخادعة للوطن، ولن ينهض بالبلاد من كبوة النفط وتقلباته إلا العقول النظيفة المتفتحة والمحبة للوطن وجلالة السلطان .. فهلاّ شمَّرنا عن سواعد الجد والعمل، ووضعنا المتخاذلين والمعرقلين جانباً عنا، وعن طريق الوطن في السير إلى مستقبله، وكسرنا بخاطر المتنفّعين وطفيليات الوظيفة العامة، والحساد والمتربصين من داخل وخارج الوطن باعتمادنا على المخلصين.