عبد الله العليان
لا شك أنَّ العمل الخيري التطوعي، يُعد أحد أوجه التكافل الاجتماعي الذي حثَّ عليه ديننا الحنيف، والديانات السماوية والقوانين الوضعية، والكثير من المصلحين في الحياة الإنسانية عبر التاريخ، لما يحققه من أهداف خيرية ترفع المعاناة عن كاهل المعسرين والمحتاجين، سواء من حلَّت به كارثة طبيعية، أو ظروف أخرى خارج إرادته الذاتية، وقد دعا القرآن الكريم إلى أهمية ومكانة الإنفاق في سبيل الله، قال تعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ(، وفي هذا المنحى الطيب للإنفاق، وأثره على صاحبه المنفق، قال تعالى:( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، وفي الأزمان الغابرة كان العمل التطوعي محدوداً، بحدود التواصل بين الأمم والشعوب، والعمل التطوعي سهلاً وميسوراً في الحدود الضيقة، بظروف ذلك الوقت، ومحدودية ما يعرف من مشكلات وكوارث في الزمن الغابر، سواء الطبيعية، أو بسبب الحروب أو غيرها من الظروف التي تجري، وأسبابها معروفة، لكن في عصرنا الراهن أصبح العالم قرية، وفي ذلك قال أحد السياسيين، إن القرية أصبحت عالماً، ولذلك ما يدور في كل الدنيا، أصبح بين يديك، وفي اللحظة ذاتها تتابع أولاً بأول ما يجري بين ناظريك، وهنا بدأ أصحاب الهمم العالية، والقلوب الطيبة من أهل الخير والمحبين له، في التحرك لهذا العمل الخيري التطوعي، خاصة القريب منِّا والمحتاج بين ظهرانينا، وتلك هي الحياة وتغيراتها وتحولاتها، التي هي سنة كونية وحكمة إلهية، بأن الحياة لا تبقى على حال، وهذا من المحال.
ولا شك أنَّ العمل التطوعي الخيري، منوط بمؤسسات المجتمع الأهلي، أو مسمى (المجتمع المدني)، التسمية الحديثة الشائعة له، والدولة بلا شك لها مهام كبيرة وشاسعة وتدعم بلا شك أعمالا خيرية، وهذا المجال ضمن الأعمال الكبيرة على مستوى الدول، لكن تظل للدول مهامها ومجهودها لتتسع لأعمال أخرى أكبر وأوسع، وتبقى المهام المجتمعية الخيرية، تضطلع به المؤسسات الأهلية، أو أفراد وهبوا أنفسهم للنشاط الخيري، ضمن القوانين والضوابط المحددة التي وضعت لهذا العمل، وهي المؤتمنة عليه بما يحقق الهدف المنوط به، ودور الدولة هو وضع القوانين والنظم، لتسيير الأعمال التطوعية الخيرية لأفراد المجتمع أو مؤسسات مرخص لها، الراغبين بجهود للعمل الخيري التطوعي، وهذا الأمر نراه مهماً وضرورياً للعمل الخيري، والذي لا شك أنَّه أصبح حاجة مجتمعية، لمن هم محتاجون للمساعدة لظروف مختلفة كما أشرنا.
صحيح أنه بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، تعرض العمل الخيري للكثير من التضييق، بسبب ما قيل عن خروج بعض النشاطات التطوعية الخيرية، عن عملها الأصلي في مساعدة المستحقين، أو لمن هم في حاجة ماسة للمساعدة، وهذا للأسف أسهم في التضييق على الأعمال الخيرية في العالم كله، والإشكالية أنَّ الشكوك أصابت الجميع في النشاطات التطوعية الخيرية، والعدل والإنصاف يقتضي أن يكون هناك فرز وانتقاء، وليس رمي الشبهات دون التيقن من كل عمل خيري في البلدان العربية والإسلامية، وهذا ليس عدلاً أن نضع الجميع في سلة واحدة، والغريب أنَّ الكثير من المنظمات الخيرية في الغرب، لم تواجه التضييق، كما حصل لغيرها، وهذا ربما لأن القوانين في الغرب لها رؤى أغرى، أو ربما لم يتوقع لها أن تخرج عن مسارها! لكن أيضاً أن يحصل خطأ من جهة من الجهات، لا يجب أن يُعمم على الجميع، وعلى كل من يقوم بعمل خيري تطوعي، لأناس محتاجين سواء للعلاج، أو حاجة لترميم مسكن، أو لظروف أسرية معسّرة، وهذه حالات تحصل، فالحياة اتسعت وتغيّرت الظروف المعيشية بسبب التكاثر البشري المتزايد، والحروب في دول كثيرة أيضًا جعلت الهجرة ضرورة لابد منها وجعلت عدم الاستقرار والمشكلات المعيشية تتفاقم، وأيضًا الهجرة للسلامة والعيش بالحد الذي يكفيها إلخ: ولذلك فإن العمل الخيري، يُساعد في جوانب كثيرة قد لا تكون منظورة بالنسبة للكثير من للمقتدرين الذين يستطيعون المساعدة، لمن هم حالة معيشية كالأسر، وحالات المرض، وضرورات العلاج خصوصا العمليات الجراحية التي تتطلب مبالغ كبيرة، لا يستطيع المريض الذي يأتي إلى بلاد أخرى مهاجرا من بلده بسبب الحرب توفيرها، وهذه نعرفها جميعًا.
من هذه المنطلقات المهمة، نتمنى من وزارة التنمية الاجتماعية، أن تدعم العمل التطوعي الأهلي من خلال التيسير له، وهي الجهة المسؤولة عن الجمعيات أو غيرها من المؤسسات التي تعنى بالأعمال الخيرية، وهناك قوانين تسيرها، وأي جهة تخالف القوانين فلها الرأي التي تتخذه في هذا الشأن، لكن وقف أي عمل خيري، قد لا يُسهم في تقديم ما هو جدير بعمل خيري حضاري، واللوائح هي الفيصل في أي نشاط، ونتمنى أن تكون هناك مراجعة للكثير من القوانين بما يحقق النجاح لهذا العمل التطوعي، وفي نفس الوقت يكون القانون هو الفيصل، وليس الأحكام المسبقة، لأي عمل خيري دون أي أدلة دامغة وواضحة بالدليل الجازم كما حصل للكثير من الجمعيات في العالم.