صراع التدريب والتأهيل.. اصنع لنفسِك أثراً يبقى


تهى العبري | سلطنة عمان
                                                 
(إن تدريب الشباب وتأهيلهم ليأخذوا مواقعهم، بكل جدارة، في شتى مياد‏ين العمل لهو أمر بالغ الأهمية، وواجب وطني تقع مسؤوليته على عاتق كل مواطن عماني، فبدون التدريب والتأهيل واستمرار صقل المهارات النافعة، وتنمية الخبرات المفيدة، يصبح التعليم في حد ذاته غير ملب لجميع متطلباتنا الاساسية، فالصناعة التي نسعى إلى إقامتها وتطويرها، ونجد في توفير كافة الوسائل والسبل لتشجيعها، تحتاج لتوطينها إلى كواد‏ر مدربة وأيد عاملة ماهرة من أبناء البلد) . كتاب: (كلمات وخطب صاحب الجلالة، ص 306).
من منطلق هذا الخطاب السامي ندرك الأهمية البالغة التي وضعها جلالته للتدريب والتأهيل وماله من الأثر الايجابي في تطوير وزيادة انتاجية الفرد وبما يعود بالنفع للمجتمع والوطن أجمع. رغم ما تعيشه أغلب الجهات وبالذات الحكومية في الوقت الحالي من التقشّف المالي وانخفاض الموازنة المخصصة لتدريب وتأهيل الموظفين العاملين في الجهات، إلا أن هذا العائق يبقى على عاتق الجهة والقيادة العليا لإيجاد الحلول المناسبة بما يتواكب والظروف التي نعيشها، لا نقول قطع والغاء التدريب وإنما التقليص واستيحاء أفكار تساهم في منح الموظف حقه من التدريب والتأهيل وبطريقة لا تؤثر على اقتصاد الجهة وموازنتها بالجانب السلبي. فالنظريات والأسس والنظم كل يوم تتجدد وتتقدم وتتطور ، حتى المفاهيم والأساليب والوسائل المستخدمة تتغير في جميع مناشط الحياة ، بالتالي وُجِب على الفرد والموظف مسايرة هذه العولمة والتماشي مع التطور وان تطلّلب عليه التدريب التلقائي والبحث التطوعي ، في نهاية المطاف سينفع نفسه بالدرجة الأولى ، ليس بالضروري أن تكون الجهة هي العكاز التي نتكء عليه لنتطور ونتقدم ، أنتَ من يبني نفسك من أجل ذاتك.
ويأتي التدريب لمعالجة نقاط الفرد بالدرجة الأولى ومن ثَم كسب المعرفة والمعلومة ، ولزيادة الوعي والتثقيف من خلال هذه المعلومات المكتسبة وتجديدها وتحديثها وتنميتها لمسايرة التطور العملي والابداع فيه. ففي معظم الأحيان بعض التخصصات تكون الدراسة والتطبيق العملي في الميدان مختلف ، فليس من الضروري أن تكون الدراسة النظرية مماثلة للتطبيق العملي، بالتالي سيُساهم التدريب في تأهيل الموظف ليتواكب وعمله سواء كان مرتبطاً جداً بتخصصه أو متجانساً مع أعمال وتخصصات أخرى تطلّب منه استيعابها. وقد يأتي التدريب من اجل التطوير وهذا يُركز على الفئة التي ستتقلد مناصب أعلى مستقبلا، فيتم تأهيلها من خلال هذه البرامج التدريبية. وهذا مايسمى بالتدريب التقليدي.
هناك التدريب عن بُعد وهو المألوف الآن بكثرة تواكباً مع التطورات التكنولوجية ، وفكرته هو تدريب ذاتي وتوظيف وسائط الكترونية في التعليم ، فلا مدرب ولا قاعة ولا زمن محدد بوقت ثابت  ولكن يتم عن طريق الربط بالاقمار الصناعية والاشرطة والوسائط والحاسب الآلي ليتم نقل المعلومة. وتوجد مرونة في هذا النوع من التدريب لعدم التقيد بوقت معين وتكون هذه البرامج تحت اشراف معاهدوجامعات معترف بها،ولها نظم محكّمة للتطوير والتنظيم.
فالتدريب يلعب دوراً كبيراً في حياة الفرد سواء من الجانب العملي او الجانب الاجتماعي في حياته الشخصية فكسب المعارف وتجدد المعلومة يساهم حتى في بناء الشخصية والثقة بالنفس وتراكم الخبرات على الصعيد العملي والخارجي ، أيضا يلعب دوراً داخل العمل من خلال تطبيق ما تم تدريبه وتقديم المقترحات للتطوير فهو بمثابة الحافز لنشاط اكبر وافكار متنوعة وانتاجية عالية. ولا تتحقق العملية التدريبة وتنجح الا بتوافق كل الاطراف ، المؤسسة والفرد والجهة القائمة على التدريب ، فالمؤسسة مطالبة بدراسة الاحتياجات المطلوبة ومعرفة الثغرات لسدها وتحديد الاهداف المرجوة من البرنامج والمتوقعة من الفرد بعد التدريب وهو ما يسمى بعائد التدريب ، أيضاً مطالبة باختيار الجودة والكفاءة والخبرة في السوق من المدربين والمراكز التدريبية لتلحظ النتيجة المرجوة ، أما من جانب الفرد نفسه وُجب عليه الالتزام والتقيد بالانظمة المتبعة ومحاولة اقتناء المعلومة وتجديدها والتحري فيها من خلال المدرب حتى يستطيع التطبيق عند عودته. فالعملية التدريبية هي معادلة متكافئة تتطلب جهد وتوازن وانتظام.
وقد أصبحت معظم المؤسسات في وقتنا الحالي كبيئة تنافسية بحاجة إلى مؤهلات علمية ومهارات متنوعة وخبرات متراكمة لتحقق التميز الملحوظ، وباتت تبحث عن الكفاءات البشرية لتحافظ على مستواها وتتفوق، فهناك تحديات قد تواجه المؤسسات وهو التأقلم مع التغيير والتكيف والتحول الذي يحدث بفعل تأثير العولمة ، لان المشي على نهج ونمط واحد يؤدي الى انخفاض الانتاجية وتراجعها وانخفاض الاداء الوظيفي، ولا يتم هذا الا من خلال استثمار العقول البشرية في التدريب الصحيح بما يتواءم وتخصصاتهم وبيئات عملهم.
من أفضل البرامج التي تستطيع المؤسسات تطبيقها وتساعد الادارات العليا في اكتشاف قدرات موظيفهم ، مايسمى ببرنامج "بيكس" ، وقد خُضتُ انا شخصياً هذا الاختبار ، فهذا البرنامج قام على ابحاث اكاديمية على مستوى العالم وتم تطبيقه في معظم المؤسسات وخاصة في الدول المتقدمة ، وفكرة البرنامج قائمة على تحليل الشخصية وفهم نمطها  على مختلف المستويات الفردية والجماعية وتحديد الادوار والمهام التفصيليه لكل فئة ، والاماكن المناسبة لتوظيفها من خلال خمسة عوامل رئيسية وهي (الهدف ، والطاقة،والتوكيد ،والمعرفة ،والاستدامة). فأنت كمسؤول ستلْحَظ أن موظفك لديه قدرات كبيرة في جانب معين قد يكون مهمل في ميدان عمله أو بعيد عن التخصص والمهام المناطة إليه في العمل، بالتالي تستطيع ان تستغل مواهبه بما يخدم العمل من خلال قدراته التي يمتلكها ، ف "بيكس" قادر على التصنيف والفرز  للكفاءات بناء على متطلبات الوظيفة ويساعد ادارات الموارد البشرية في انتقاء الكوادر وتوظيفهاوتدريبها وتوجيهها على رأس عملهم. فهناك وظائف تحتاج إلى جهد ذهني والبعض تحتاج جهد عضلي وهكذا من خلال هذا البرنامج يتم التصنيف. ويمكن استخدام البرنامج أيضاً لأولياء الأمور لرسم خارطة المسار العلمي لابناءههم واهدافهم المستقبلية .
أحد الكُتّاب وصف الانسانية بقوله" أغلب الناس يموتون في سن العشرين ، ويُدفنون في سن الثمانين" ، ماذا استوحيتَ من هذا الوصف؟!! اذن أنت المسؤول عن نفسك وذاتك لتطويرها وتجديدها في الدرجة الأولى بعدها جهة العمل ، حتى وإن كُنتَ لا تَعمل ، التقصي والبحث عن المعلومة والمعرفة لَهُوَ جهد تجني ثمرته وتتلذذ بحلاوته في النهاية ، فلا تٌهدر وقتك في القيل والقال ، والممارسات التي تنقص من عمرك وعقلك ، ولا تدفن نفسك وعقلك في الوحل، ولا تقُل حاولت وفشلت ، فمن لم يذق طعم الفشل لن يذوق طعم النجاح.
ما أن تُغمض عينيك وتفتحهما إلا وترى قطار السنين التي مرّت ، والأجمل أن ترى فيها ما أنجزت وأين وصلت، لِتنْعم بالرضا والقناعة والراحة. كُن صادقاً مع نفسك وتذكّر غايتكَ في هذه الحياة، فما الدُنيا إلا قارب يَجُوبُ البحار  شغفاً ومصيره سيَرْسُو ويقِف، فاصنع لنفسِك أثراً يبقى ويُذكر وينفع، قبل أن ترسو بقاربك بلا ميعاد وإلى الأبد.

 

تعليق عبر الفيس بوك