آيس.. كريم

 

أحمد الرحبي

لقد شكل لنا الثلج كبارًا وصغارًا بكتلته البلورية البيضاء الصلبة في بداية ظهوره، اكتشافاً عجيباً، فلم نتخيل وقتها مهما شطح بنا الخيال، نحن سكان هذه المنطقة من العالم المعروفة بشدة حرارتها، أن يكون للماء كتلة صلبة، فبخلاف حالته السائلة التي نعايشها كل يوم سواء أثناء الشرب أو الوضوء والاستحمام، وحالته البخارية التي لا يُمكن إغفال أثرها في جو شديد الحرارة ورطب كجونا، لم يكن بوسعنا تخيل أن يكون للماء كتلة صلبة، وهو الأمر الذي دفع بنا للتساؤل بفضول، عن سر الثلج أو الأسرار الكثيرة المُعقدة التي تدخل في صناعة الثلج، التي توفره لنا، ويجعل الماء بواسطته أكثر إنعاشا وأكثر إرواء للعطش، ويجعل حياتنا أقل مشقة بقليل مما عهدناه منها.

في تلك الفترة من السبعينيات وحتى مُنتصف الثمانينات، لم يكن يوجد في كثير من مناطق مسقط، ثلاجات أو أجهزة تبريد لحفظ الأشياء وتبريدها، وإن وجدت فإنه لا يتوفر لدى السكان كهرباء لها، إلا بعض الموتورات التي يتم تشغيلها في ساعات محدودة في اليوم، في الفترة المسائية في الغالب، وذلك نظراً لكلفة الوقود، ولعدم قدرة هذه الموتورات على تحمل الحرارة الشديدة في النهار.

 كان توفير الماء البارد في تلك النهارات الفائضة الحرارة من فصل الصيف، معضلة كبيرة، رغم أنَّ بعض الأواني الفخارية لتبريد الماء كانت متوفرة بعدة أنواع، كوسيلة تقليدية لحفظ مياه الشرب وتبريدها، المستخدمة في المناطق الحارة، لكن هذه الأواني لم تعُد تفي بالغرض، كما أنها غير مضمونة من الناحية الصحية، ومع بدايات الاستفادة من خدمات الكهرباء، كان الثلج يشكل السلعة الأكثر طلباً، فلم يكن أحد يستغني عن الثلج من أجل شرب جرعة ماء باردة ينعش بها عطشه ويخفف بها من أثر الحرارة على جسده، فانتشرت بكثرة مصانع الثلج في مناطق المدينة، التي كانت تقدم أو تنتج هذه السلعة على شكل أعمدة كبيرة بيضاء، يتم ثلمها وتكسيرها إلى قطع صغيرة ومتوسطة، فيتم حمل الغنيمة في صناديق تبريد وحفظ للحرارة، بلاستيكية، كانت سلعة نستطيع أن نقول إن مقدمها كان مع مقدم الثلج أو مرتبطة به ارتباطا وثيقا، فهي أصبحت أوعية ضرورية لا غنى عنها لحفظ الثلج وحفظ الماء البارد الذي يتحول إليه الثلج عادة، فهي كانت بمثابة البراد أو الثلاجة التي تحفظ وتوفر لنا الماء الزلال، أو المعادل لها، وسط قسوة الحرارة والجو المتطرف للصيف، قبل وصول الثلاجة وتوفر الكهرباء بعد ذلك، ومع الصناديق البلاستيكية والكنز الثمين من الثلج الذي تحفظه وتعزله بمأمن عن تأثيرات الجو المتطرفة، أصبح بالمستطاع فوق الماء البارد، استهلاك المرطبات والمشروبات بأنواعها في أي وقت وأي مكان، بدون عناء ومشقة.

ولشراء هذه القطع البلورية البيضاء الثمينة إما أن تتجه بأوعيتك إلى مصنع الثلج مباشرة إذا كان قريباً بلا مشقة في الوصول إليه، أو التوجه إلى بائع بسطة قريب، يقوم بعرض أعمدة الثلج، في حناطة من لفائف من الخيش، كنوع من العزل لها من تأثير الجو الحار، وفي بعض الأحيان إذا حالفك الحظ، بإمكانك أن تصادف سيارة بيع الثلج وهي عبارة عن عربة خفيفة بخزان وليس براد في الحقيقة، في الخلف لحفظ الثلج، في أول خطوتين تخطوهما خارج المنزل. وبعد أن أصبح الثلج سلعة رائجة في المدينة، مشكلاً في الصيف خاصة، الكنز الثمين الذي تحوزه الصناديق البلاستيكية في كل بيت، من وقتها استبدت بسكان المدينة كبارا وصغارا عادة لعق الآيس كريم، كعادة غذائية دسمة ومنعشة، حيث من حينها أصبح لا صيف بدون آيس كريم في مسقط، ولا ربيع ولا خريف ولا شتاء حتى، بفضل كنز الصيف وتوفره في كل حين ووقت.