عبدالله العليان
عِندما حطَّت إحدى شركات الطيران الخليجية في مطار صلالة، قبل أسابيع قليلة، لتفتح خطًّا بين صلالة والمنامة، ليُسهم في الحركة السياحية والاقتصادية في بلادنا، كان مبعث سعادة لنا لهذا الطيران العريق، الذي لا شك أنه من أقدم الشركات المدنية في منطقة الخليج.
نستذكرُ أنه ومنذ سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت بلادنا في بداية نهضتها الحديثة، كان طيران الخليج -قبل تأسيس الشركة العمانية للطيران- هو الناقل الوطني؛ باعتبار أنَّ السلطنة إحدى الدول المالكة لهذا الطيران، ولم نسمع عن خسائرها، لكن الذي جعل الشراكة تتقلص -كما سمعنا- هو بعض القضايا الإدارية والمالية التي أسهمت في هذا التقليص، وأسبابها كانت معروفة، وقيام الدول المشاركة بإنشاء خطوط طيران لكل دولة لوحدها، وكان هذا جيداً لا شك، وامتلاك مملكة البحرين وحدها لهذا الطيران، وقد كان هذا الطيران بحق ناجحاً بكل المقاييس، ورحلات الطيران عالميًّا لها رواج كبير، وسُمعة عالمية بين الشرق والغرب، والشيء الذي لا ننساه لهذا الطيران مع رحابته ونجاحاته، أنه مُتفاعل مع جمهوره العماني والخليجي بصفة خاصة، ويعطي أسعاراً مميزة للطلاب والطالبات، تصل إلى نصف السعر، وأنَّ الأطفال لهم أيضاً مميزات خاصة، تفوق سعر الطلاب، وهذا أعطى سمعة طيبة، ولا تزال يُذكر بين الأجيال العمانية التي عرفت هذا الطيران.
فقد كان الناقل الوحيد الذي عرفته هذه الأجيال بين دول المنطقة، وكذلك في الدول الأخرى أيضا، خاصة الدول التي يدرس فيها الطلاب العمانيون في الوطن العربي، وفي الدول الأوروبية، وعندما كنا ندرس نحن الطلاب العمانيين في مصر الكنانة في الثمانينيات من القرن الماضي، كان أغلبنا في ذلك الوقت لديه منحة دراسية من الدولة للتفرغ الجامعي وما بعد الجامعي، وكنا نستطيع الذهاب في إجازة نصف العام إلى بلادنا لقضاء فترة هذه الإجازة القصيرة، وهذا بلا شك كان مبعث سعادة غامرة، لكوننا نجد فرصة نحن الطلاب لزيارة بلادنا بسبب التخفيض الذي نجده من طيران الخليج، وكان بعض الزملاء من الطلاب العرب يتعجَّبون من هذه الفرص التي نجدها في منتصف العام، ونحن طلاب! لكنها منحة ولفتة تستحق أن تذكر لهذا الطيران العريق، الذي لن ننساه في حياتنا، في الوقت الذي نعاني، ولسنا سعداء، من نظم وأسعار وإجراءات الطيران الوطني بين خط مسقط وصلالة!
وأستذكر -والاستذكار عِبْرة ومُراجعة لما سبق وانتهى- أنَّ طيران الخليج الناقل الوحيد للرحلات الداخلية داخل بلادنا، كان يعاني في فصل الخريف من الغيوم والضباب الكثيف، وكانت أحياناً الطائرة تهبط في مطار ولاية ثمريت بمنطقة النجد، وينقل المسافرون بالباصات، أو بسيارات خاصة عند البعض حسب رغبتهم، لكن في بعض الأحيان ترجع مرة أخرى إلى العاصمة؛ ففي العام 1979، كنا مجموعة من المسافرين من مسقط إلى صلالة، وكنا كما أذكر في أواخر شهر يوليو وفي عز فصل الخريف، وعندما اقتربت الطائرة من الهبوط، إلا ونسمع صوت قائد الطائرة بإبلاغ المسافرين بعودة الطائرة مرة أخرى لمسقط، واستغربنا من السبب وبدأ الضيق والهمس والتذمر من المسافرين من العودة، وكلّ له سببه وظروفه، فرجعت الطائرة، وعندما نزلنا منها تجمعنا عند الأبواب، وجاءنا أحد الموظفين بالطيران، وطلب منا الاحتفاظ ببطاقة الطائرة أو بأصل التذكرة لتكون العودة في اليوم التالي، ومن لديه منزل بمسقط يذهب إليه، وكان أغلبنا من محافظة ظفار، فرتّب لنا الطيران الإقامة في فندق الخليج (كرون بلازا حاليا)، وكان من الفنادق الكبيرة آنذاك، وعلى شاطئ البحر، وكان أحد المسافرين برفقة ابنه (مهندس طيران حاليًا)، وكان عمره آنذاك ما يتجاوز 12 عاماً، وطلب منه أبوه أن يسكن معه في الغرفة، لكنه طلب لنفسه غرفة! وكان أبوه -رحمه الله- يود أن يسكن معه لسعة الغرفة، لكن طيران الخليج استجاب للطلب من هذا الابن، وعندما التقيه، أذكِّره بهذا الموقف الرائع من طيران الخليج.
لذلك؛ لا يزال طيران الخليج في ذاكرتنا رائعاً ومحبوباً ودقيقاً، حتى في مواعيده، ميسراً في أسعاره!! وهذا الشيء كُنَّا نتمنَّاه لطيراننا الوطني العماني، لكن إلى الآن لم يتحقق هذا في الرحلات بين مسقط وصلالة؛ كونها رحلات داخلية، لا يحق للطيران الآخر أن يسّير لها رحلات؛ فقبل عدة أيام كنت في إحدى المناسبات في العاصمة، ولم أستطع تحديد رحلة العودة إلى صلالة إلا يوم الأربعاء الماضي، وعندما سألت الموظفة عن سعر العودة إلى صلالة بعد ساعات؟ قالت مبتسمة: 48 ريالاً؟ قلت لها إن المبلغ كبير!! قالت: هذه هي أسعارنا. والغريب أن هذه أسعار أغلى من أسعار بعض الرحلات الدولية!! وهذا غير موجود في كل طيران العالم كما نعلم؛ لذلك فالطيران العماني أراه يستغل عدم وجود رحلات دولية منافسة ليزيد أسعار الرحلات الداخلية خاصة محافظة ظفار! وعندما جئت إلى القاعة -كما هو معتاد لمن لديه "بطاقة السندباد"، حيث يحق للمسافر الجلوس في القاعة، ويستفيد من بعض المميزات- قال لي الموظف: التعليمات جاءتنا بعدم استعمال بطاقة السندباد في رحلات صلالة-مسقط؟ قلت: هذه من نظام الطيران، وقد قضينا سنوات في ارتياد الطيران العماني للحصول على المميزات من سنوات؛ فلماذا تُمنع عن الرحلات الداخلية، وأسعارها تفوق بعض الرحلات الدولية؟! لم يرد!!! وهو مجرد موظف ينفذ الأوامر؛ لذلك نتألم كثيرًا جدًّا من سياسات الطيران العماني، فترحيبنا بطيران الخليج، هو استذكارٌ لشراكتنا العمانية القديمة، وعودته للنشاط تُذكرنا بما كان له من تقدير وامتنان عند العمانيين.