صناعة الجودة.. وكسب القلوب والعقول

د. محمد بن عوض المشيخي *

أسابيع قليلة تفصلنا عن الذكرى التاسعة والأربعين ليوم النهضة المباركة التي نشرت الخير والتنمية في لكل زاوية من زوايا هذا الوطن الغالي.

وكان الهدف الأساسي لقائد هذه النهضة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- بناء دولة عصرية قائمة على احترام القوانين والأنظمة التي تكفل لكل مواطن ومقيم الحياة الكريمة والأمن والأمان، وكان الهاجس الأول لهذا المشروع التنموي بناء الإنسان العماني وتطوير إمكانياته؛ ليكون شريكا أساسيا في مستقبل الوطن. ومع مرور السنوات والعقود تخرجت الأفواج من الشباب والشابات الذين أتيحت لهم الدراسة في السلطنة، ثم الذهاب للخارج لتكملة الدراسة الجامعية والعليا في أعرق الجامعات.

وكان ذلك استثمارا وطنيا جديرا بالتقدير، فقد شارك هذا الجيل المتعلم الذي تخرج في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي في العديد من المناصب الوزارية والوظائف العليا في الدولة. والجميع اجتهد فيما يراه مناسبا لخدمة عمان. ويجب الاعتراف بالعديد من الصعاب والتحديات التي واجهت مسيرة التنمية في السلطنة منذ عقد التسعينيات؛ خاصة في مجالي استيعاب مخرجات الدبلوم العام في المؤسسات التعليمية، وتوظيف الباحثين عن عمل أصبح يشكل الهاجس الأول للوطن وصناع القرار؛ لكون هذا الرقم في ازدياد؛ نظرا لما تواجه جهود حل المشكلة من تحديات، فضلا عن عدم وجود خطة تتسم بالتدرج والواقعية لإحلالهم بدلا من الوافدين. صحيح أنه حصل انفراج وحل لمشكلة التعليم الجامعي؛ عن طريق البعثات التي خصصتها الدولة في الجامعات الخاصة، والبعثات الخارجية.

بعض الوزارات والهيئات الحكومية حققت نجاحات تسطر بحروف من ذهب؛ فقد كسبت العقول والقلوب معا في هذا الوطن الغالي. وفي مقدمتها القضاء الإداري الذي يلجأ إليه المواطن ليخاصم الوزير عندما يتضرر من الحكومة وقراراتها. كذلك هيئة حماية المستهلك التي يسهر أفرادها ليل نهار؛ لحماية المواطن والمقيم من الغلاء والأمراض.

وهذه النماذج الرائعة التي كتبها - بحروف من نور- أبناء عمان المخلصون للوطن والسلطان، ليست بالمعجزة؛ بل قاموا بما يجب عليهم القيام به تجاه المهنة المنوطة بهؤلاء الموظفين، وبالتالي بإمكان بقية المؤسسات الأخرى الحكومية منها والخاصة أن تحذوا حذوها؛ للنهوض بالخدمات والارتقاء بالإنسان العماني.

لكن على الجانب الآخر هناك تحديات مستمرة لبعض الوزارات لم يحقق وزراؤها النجاح المأمول.

فمثلا وزارة النقل والاتصالات واجهت تحديات حقيقية في تنفيذ عدد من المشاريع، رغم إثبات جدارتها في مشاريع أخرى عديدة، بفضل الكفاءات الأكاديمية التي يشار إليها بالبنان في هذه الوزارة.

لقد ارتقت العديد من دول العالم في الشرق والغرب؛ باعتمادها معايير واضحة المعالم لاختيار القيادات الوطنية التي تقود دفة التنمية، وبوصلة الإنتاج في الوزارات والشركات الكبيرة؛ عن طريق تحديد فترات زمنية تمتد من 3 سنوات إلى 6 سنوات؛ لتحقيق أهداف المؤسسة المرسومة من الدولة والتي يجب أن تتحقق؛ ثم يتم تقييم ما تم إنجازه من هذه الأهداف. ففي حالة نجاح أي مسؤول فإنّه يستمر على رأس العمل لفترات قادمة، وتقدم لهؤلاء الحوافز المالية والمكانة المعنوية. أمّا في حالة عدم النجاح، تتم المحاسبة، ثم الإقالة من العمل. وهذا هو مبدأ الثواب والعقاب.

وهناك نماذج ناجحة في إفريقيا التي نهضت من ثالوث الجهل والفساد والقبلية؛ مثل إثيوبيا وانجولا ورواندا، وهذه اﻷخيرة أصبحت أكبر سوق مفتوح في إفريقيا وسجلت أعلى نمو في العالم.

إننا نأمل مزيدًا من الرقابة على المال العام، والتأكيد على معايير النزاهة والكفاءة، في مختلف الوزارات والهيئات الحكومية.

* أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري