محميات طبيعية جديدة

 

علي بن سالم كفيتان بيت سعيد

 

مهما كانت الطروحات حول أهمية تفعيل المحميات الطبيعية القائمة إلا أنّ الالتزام الحكومي بتخصيص أراضٍ جديدة كمحميات طبيعية يعتبر استمرارا للاهتمام السامي لمولانا جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- بالحفاظ على البيئة وصون مواردها الطبيعية، ويعد دفعة قويّة للعاملين في الحقل البيئي بالسلطنة واستجابة لجهودهم ومقترحاتهم المقدمة للجنة إنشاء المحميات التي نصّ عليها قانون المحميات الطبيعية وصون الأحياء الفطرية. ولا شك أنّ زيادة رقعة الأراضي المحميّة ستساعد في حفظ المزيد من الأنواع وتنظيم الاستخدامات وفي ذات الوقت تعد استجابة هامة لمتطلبات التكيف مع المتغيرات المناخية التي تجتاح العالم.  

إنّ إعلان محمية الرستاق للحياة البرية سيمنح الأمان لحيوانات برية كابدت كثيراً من أجل البقاء وعلى رأسها الوعل العربي أو كما يسمى محليا بالطهر العربي المهدد بالانقراض علما بأنّ هذا النوع منحصر وجوده طبيعياً اليوم على سلسلة جبال الحجر في سلطنة عُمان مما يعني أنّه لا يوجد في أي مكان آخر بالعالم، وهنا يجب أن نُفرّق بين الإكثار تحت الأسر وبين التواجد في الطبيعة وما نقصده هو التواجد الطبيعي في الموائل الآمنة التي توفر الغذاء والمأوى والتفهم المجتمعي لبقاء الأنواع وتواجدها ضمن منظومة الحياة اليومية واشتهرت ولاية الرستاق بمقوماتها البيئية العالية من بيئات جبلية حصينة وموارد مياه متجددة وتناغم مجتمعي يكاد يكون نادرا في هذا الزمن. ففي منتصف تسعينيات القرن الماضي كانت لي الزيارة الأولى لهذه الولاية وقراها برفقة أحد الخبراء البيئيين آنذاك، وذهلت لحجم اهتمام الإنسان في هذه المنطقة ببيئته فهناك عرف إعلان الحميات؛ وهو دستور بيئي سنه الريفيون في تلك الأودية والقرى وأقرّه المشايخ وولاة الحكومة بحيث يتم الاتفاق على تخصيص منطقة تمنع فيها كل الأنشطة المضرة بالبيئة من رعي وجمع ثمار وحتى الحطب وغيرها وتظل بمثابة الرصيد للمستقبل وللتمعن في معرفة التغيرات التي تحصل بسبب الإنسان ونشاطاته، وسمعت من بعض كبار السن آنذاك في إحدى القرى الجبلية النائية أنّ تلك الحميات العرفية تشكل العمود الفقري لإنتاج العسل الجبلي، الذي اشتهرت به ولاية الرستاق وقراها. وهنا نجد توظيفا نادرا لإدارة الموارد وترجمة تلك الاهتمامات بإعلان معظم تلك الحميات كمحمية طبيعية نابع من اهتمام الانسان نفسه منذ الأزل. سنزور إن شاء الله ولاية الرستاق في قادم الأيام للاستمتاع بكل مكوناتها ومقوماتها الجميلة، وسنبحث في محميتها الجديدة القديمة عن عسل نادر وفي إنسانها عن روح سمحة ظلت تكابد عاديات الزمن.. سنسعد برؤية الجهود الجبارة التي تبذلها وزارة البيئة والشؤون المناخية هناك على أرض الواقع بالتنسيق التام مع بقية الجهات المعنية بالحفاظ على الطبيعة وصون مواردها محلياً وإقليمياً ودوليًا.

وفي الضفة الأخرى من الجبل أعلنت محمية الحجر الغربي لأضواء النجوم في محافظة الداخلية حيث الارتفاعات الشاهقة وتعدد البيئات ففي حاضرة الداخلية نزوى وولاياتها تتجذر البيئة الجافة الصحراوية، ومع الصعود نحو هامة الأخضر تتراجع الحرارة ويسود مناخ البحر الأبيض المتوسط، فتعيش التجمعات والقرى السكانية في تلك الحواف أجواء استثنائية حيث يكون الثلج مألوفا في الشتاء على غير العادة في كل بقاع الجزيرة العربية، ويصبح الاهتمام زراعياً بمحاصيل ذات جودة عالية؛ فالإنسان هنا لم يكن جشعاً تجاه بيئته ولم يكن جحودا لها بل صبر عليها وظل يرممها ويتعايش معها بصمت؛ وإلى اليوم تدير المجتمعات المحلية في تلك الأنحاء شؤونها اليومية، وتحافظ بعناية على ثروات الجبل الأخضر، فاقتراب النجوم وصمت الظلام شكّل ميزة طبيعية للمكان، فلا عجب أن ترى مراصدها منتشرة على حواف الجبل وعلى ارتفاعات تصل إلى 3000 متر فوق سطح البحر، فالمشرع البيئي لم يهتم بالأرض ومواردها فقط بل تطلع للسماء ونجومها التي باتت ميزة نادرة في جبال الحجر الغربي، فسلامٌ على داخلية عُماننا الحبيبة، وسلامٌ على الأخضر الشامخ بكل هيبته وتجلياته وإنسانه العظيم.