رؤية الهلال.. جدل قديم يتجدد مع مطلع الشهر الهجري وسط دعوات بـ"التوحيد"

 

◄ الساعدي: مقترح بإنشاء تقويم هجري عالمي تتحقق فيه الضوابط الشرعية

◄ عامر: 3 مدارس فلكية تحدد آلية رؤية الهلال

الرؤية- محمد قنات

تتكرر في كل عام مسألة اختلاف الدول العربية والإسلامية حول رؤية هلال العيد، خاصة في الدول ذات الجوار المشترك، فبينما تعلن دولة أنّ غدًا يوم عيد تعلن أخرى تتشارك الحدود معها أن غدًا اليوم المتمم للشهر، وتجدد الاختلاف هذا العام بعدما أعلنت دول أن يوم الثلاثاء الموافق الرابع من يونيو هو أول أيام عيد الفطر، أعلنت دول أخرى أن الأربعاء هو غرة الشهر الهجري وأول أيام العيد، وفي الوقت الذي طرح فيه البعض حلولا أو مقترحات لتوحيد رؤية الهلال، تباينت الآراء من قبل المختصين حول إمكانية ذلك، سواء من الناحية الفلكية أو الشرعية.

ويقول الخبير الفلكي الدكتور صبيح بن رحمن الساعدي إنه أصبح من الأهمية موضوع تحديد أوائل الأشهر الهجرية وما يتبعها من مناسبات دينية، ونظرًا لاختلاف الطرق المستخدمة في تعين أوائل الأشهر الهجرية ولتباعد البلدان الإسلامية؛ بات هذا الموضوع عرضة للنقاش سنوياً وخصوصاً فيما يتعلق بشهر رمضان المبارك والأعياد والمناسبات الدينية. ويضيف أنّ هناك اختلافات في مشروعية ما يسمى بـ"توحيد رؤية الأهلة" بجعل رؤية أهل بلد للهلال- وخاصة هلال شهر رمضان- رؤية معتبرة شرعا لأهل غيره مما تباعد عنه من البلاد؛ لتوحيد يوم بدء الصوم في كل الأقطار الإسلامية التي تشترك معه في جزء من الليل، وهو ما لا اعتبار له من جهة الشرع، فهناك شعوب تصوم يوما متقدما وبعضها يصوم في يوم متأخر وبعضها تصوم 28 يوماً وبعض آخر 29 يوماً وبعض 30 يوماً، ويترتب على هذا أنّ هناك شعوبا قد تكمل عدة الشهر الفضيل البالغة 30 يوماً صياما، وبعضها قد ينقص.

وتابع أنّ هناك مجموعة من الأسئلة تتكرر سنوياً، وليست مجرد إثارة فقط، بل لها آثار عملية على التطبيق حتى أنّ الاختلاف بين أيام الصيام أو الفطر يكون داخل البلد الواحد، ولا سيما بين الأقليات الإسلامية، وقد يصل إلى ثلاثة أيام، كما أنه يترتب على ذلك حرمان بعض المسلمين في تلك البلاد غير الإسلامية من عطلة يوم العيد، لأنّ الدولة لا يمكنها منح أكثر من يوم، وعلاوة على ذلك فإنّ هذه الاختلافات غير المبررة أعطت صورة غير دقيقة عن الإسلام الذي يحرص أشد الحرص على توحيد الأمة في مشاعرها وشعائرها بقدر الإمكان.

وأوضح الساعدي أنّ المسلمين أولوا عنايتهم بالهلال منذ عصر الرسالة إلى اليوم وازداد الاهتمام به في عصرنا الحاضر الذي تطورت فيه علوم الفلك والفضاء تطورا هائلا، حتى استطاعت أن توصِل الإنسانَ إلى القمر وفق برنامج دقيق كما تطورت وسائل المواصلات وتقنيات التواصل حتى أصبح العالم بمثابة قرية واحدة ولذلك أولت المجامع الفقهية العناية الكبرى بهذه القضية منذ أكثر من خمسين عاما فعقدت فيها المؤتمرات والندوات والحلقات العلمية التي جمعت بين علماء الفقه الإسلامي والفلك وصدرت منها قرارات وتوصيات. وأشار إلى أن المجامع الفقهية والمؤتمرات العلمية توصلت إلى مجموعة من المبادئ العظيمة منها الاعتماد على الرؤية سواء كانت بالعين المجردة أم بأجهزة الرصد، ومنها عدم الاعتبار باختلاف المطالع، ومنها أن علم الفلك والحساب وصل درجة عالية من الدقة وكل ما يتعلق بحركة الكواكب وبخاصة حركات القمر والشمس، كما أنّ من توصياتها المؤكدة تشكيل هيئة للرصد وللقيام بتقويم هجري عالمي. لكنه استدرك أنّه بناء على ما سبق وتحقيقا للمقاصد العامة للشريعة الإسلامية قررت رئاسة الشؤون الدينية لجمهورية تركيا القيام بهذا الواجب فقامت بتشكيل لجنة علمية من المتخصصين في علوم الشريعة والفلك والحساب، ونظمت ندوة متخصصة حول الأسس والمعايير والقواعد الشرعية والفلكية وانتهت إلى أنّ المطلوب اليوم هو الخروج من عالم الجدل والتنظير والتأطير إلى الواقع والعمل من خلال تقويم هجري عالمي تتحقق فيه الضوابط الشرعية من الرؤية الشرعية ويتوافر منه الشرطان الأساسيان وهما، أن لا يؤدي إلى الدخول في الشهر القمري والهلال لم يولد بعد، ووجوب الإعلان عن بداية الشهر القمري وعدم تأجيله مع رؤية الهلال وضوحا للعيان.

ويقول الباحث الفلكي الدكتور صلاح عامر إنّ أسباب اختلاف الفلكيين في تحديد هلال عيد الفطر ترجع الى حسابات فلكية دقيقة وأن الاختلاف ناتج عن أسباب تتعلق بمدارس الفلكيين في اعتماد شروط الرؤية في اعتماد دخول الشهر العربي من عدمه. ويضيف- في مقطع فيديو منتشر له- أن هناك 3 مدارس للفلكيين، المذهب الأول يعتمد مجرد الالتحاق والاقتران، وهؤلاء يبدأ الشهر لديهم بمجرد اقتران الهلال، وهذا المذهب يعتبر بعيدا عن النص الشرعي الذي أمرنا بضرورة رؤية الهلال. واستدرك أنّ المدرسة الثانية للفلكيين تذهب إلى أبعد من ذلك قليلاً، ويشترط وجود القمر بعد غروب الشمس في السماء في الأفق الغربي ولو لدقيقة أو دقيقتين، ويقول أصحاب المدرسة الثانية إنه إذا غربت الشمس وكان القمر موجودا بالحسابات الفلكية، فإنّ الشهر العربي يكون قد بدأ، وإن لم يُتمكن من رؤيته بالعين المجردة أو التلسكوب، لكن بالحساب الفلكي موجود في السماء، وإذا تحققت هذه الحسابات فإنّ الشهر العربي قد دخل، وهذه المدرسة الفلكية أيضاً بعيدة عن النص الشرعي لأنها أهملت الرؤية تماماً. وأضاف أنّ المدرسة الثالثة عند الفلكيين تعتمد الرؤية الحقيقية للهلال، ويحسبون حساب الرؤية، بمعنى أنهم يحسبون أنّه متى يمكن أن يُرى الهلال، ويشترطون شروطاً حتى يمكن للرائي أن يرى الهلال، ويشترط أيضا مكوث الهلال بعد غروب الشمس مدة زمنية كافية للرؤية وهي 29 دقيقة على أقل تقدير، وأن يكون عمر الهلال 15 ساعة حتى يمكن رؤيته، وأن تكون درجات الاستطالة 8 درجات والارتفاع 4 درجات، وهذه الشروط جميعها تسهل إمكانية الرؤية، بما يضمن الالتزام مع النص الشرعي، مشيرا إلى أنّ هذه المدرسة الأخيرة هي ما ذهب إليها جمهور الفلكيين.

تعليق عبر الفيس بوك