قوانين بصفة الاستعجال

فايزة الكلباينة

شَهدنا هذا الأسبوع تحرُّكات متسارعة من قبل مُؤسسات الدولة التشريعية، وأخص بالذكر هنا مجلس الشورى، الذي ناقشَ -على مدى يَومين- مجموعة من القوانين الاقتصادية التي أُحيلت إليه من مجلس الوزراء بصفة الاستعجال، والتي استطاعَ أن يضع عليها الملاحظات ويضيف بنودا جديدة، وأحال منها مشروعي قانون الاستثمار الأجنبي وقانون الإفلاس لمجلس الدولة.

الملاحظ في كلا القانونين أنهما من القوانين الاقتصادية التي ستسهم في إحراز دفعة قوية للنشاط الاقتصادي في السلطنة، من خلال إتاحة المجال أمام المزيد من فرص الاستثمار والتجارة، والتي ستعود بالنفع علينا، وستُساعد على توفير وظائف للشباب الباحثين عن عمل، وكذلك تدعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. 

ومن بين القوانين التي يعكف مجلس الشورى على مناقشتها كذلك: مشروع قانون الشراكة بين القطاع الحكومي والخاص، ومشروع قانون التخصيص، وهذه قوانين ستساعد على تهيئة بيئة الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والوطنية؛ ترجمة للتوجيهات السامية الأخيرة في اجتماع مجلس الوزراء؛ حيث أكد جلالته -أيَّده الله- على ضرورة تهيئة المناخ المناسب لجذب المزيد من الاستثمارات.

... إنَّ وجود التشريعات الاقتصادية ضمانة للمستثمرين ووسيلة اطمئنان بأنهم في دولة القانون والعدالة والتي تضمن لهم حقوقهم بكل شفافية ووضوح، ومن المؤكد أن أيَّ مُستثمر يفكر في البدء بتأسيس مشروعه الخاص في أي دولة، فإنه ينظر للقوانين والتشريعات والضمانات التي تضمن له نجاح مشروعه وتحقيقه لعوائد مرضية، من خلال وجود بيئة عمل محفزة للاستثمار تضمن حقوق المستثمر وواجباته. والمنظومة الاقتصادية بكل تأكيد تحتاج دائما لتشريعات متجددة وواضحة تحقق النتائج الاقتصادية المرجوة؛ لذا فالقوانين والتشريعات المرتبطة بالاستثمار يجب أن تكون من أولويات الحكومة، وأن يتم العمل على تهيئة السُّبل الكفيلة بتعزيز بيئة الاستثمار ونمو اقتصادنا الوطني.

لقد منحنا مجلس الشورى جُرعة تفاؤل كبيرة بعدما أحال مشروع قانون الإفلاس الى مجلس الدولة؛ ترجمةً لنص المادة (58) مكرر (37) من النظام الأساسي للدولة، والتي تنص على أن "تحال المشروعات والقوانين من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى، والذي يجب عليه البت في المشروع بإقراره او تعديله خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه، ثم إحالته لمجلس الدولة الذي يجب عليه البت فيه بإقراره أو تعديله خلال خمسة وأربعين يوما على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه، فإذا اختلف المجلسان بشأن المشروع اجتمعا في جلسة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الدولة، وبدعوة منه لمناقشة أوجه الاختلاف بين المجلسين، ثمَّ التصويت على المشروع في الجلسة ذاتها، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وفي جميع الأحوال على رئيس مجلس الدولة رفع المشروع إلى جلالة السلطان مشفوعا برأي المجلسين".

هنا.. تكمن أهمية التشريع في البيئة الاقتصادية المحفزة، ويرتبط الاستثمار برؤية واضحة للدور الذي يقوم به القطاع الخاص، ودور مؤسسات الدولة في عمليات الرقابة والتشريع والتنظيم.

وخلال الفترة الماضية، ناقشت اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى 5 مشاريع قوانين، وسعى أعضاء اللجنة عبر عمل دؤوب ومكثف إلى إنجاز هذه القوانين قبل نهاية دور الانعقاد الحالي، وهي قوانين بالغة الاهمية لأنها ستسهم في إيجاد بيئة استثمار جاذبة ومنظمة ومواكبة لآخر المستجدات والتشريعات العالمية، وفي الوقت نفسه تتطابق مع التوجهات الحكومية المستقبلية لفتح آفاق جديدة في الاقتصاد الوطني.

إنَّ التطور الاقتصادي المتلاحق من حولنا وما يلوح في الأفق من تحديات مثل الحرب التجارية المتصاعدة الآن بقوة بين أكبر اقتصادين في العالم، الصين وأمريكا، يدفعنا أيضا للانتباه لضرورة مواكبة تشريعاتنا لهذه المتغيرات. ومن شأن هذه التشريعات أن تدعم جهود الجهات المعنية بجذب الاستثمارات؛ مثل: الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات "إثراء"... وغيرها من الجهات المعنية بترويج الاستثمار.

لكن يبقى التساؤل الذي يفرض نفسه، وأحرص على طرحه في معظم مقالاتي: متى يضخ أصحاب الأعمال العمانيون رؤوس أموالهم في مشروعات كبرى داخل الوطن بدلا من الاستثمار خارجه؟ آمل أن تكون الإجابة خلال العام الجاري بعدما يتم تطبيق القوانين الجديدة.