الذكاء الثقافي

فاطمة بنت خلفان الفورية

يلتحقُ ما يُقارب 1500 طالب وطالبة من مُخرجات دبلوم التعليم العام بحسب عدد المقاعد المخصصة سنويًّا للبعثات الخارجية في العديد من دول الابتعاث، متسلحين بالعلم والمعرفة في الجانب الأكاديمي، ولكن هل تمتلك هذه الفئة من الطلاب السلاح الثقافي في تقبل الثقافات الأخرى من خلال التعايش والحوار؟

نحن لا نُريد أن يعيش طلابنا في عزلة وانطواء عن الغير بسبب الخوف من الانخراط مع الآخرين وخشية تقبلهم، وإنما نتطلع لأن يكونوا أصحاب هُوية وسفراء لبلادهم في الجانب العلمي والثقافي، وهذا يُحتم عليهم أن يتصفوا بالذكاء الثقافي (معرفيًّا، وفيزيقيًّا، وانفعاليًّا). والذي يُعد أحد جوانب الذكاءات المتعددة التي ظهرتْ في القرن الحادي والعشرين نتيجة للدراسات التي أجراها المختصون في علم النفس الاجتماعي وعلم الإدارة؛ فهو يعتبر ضرورة أكاديمية فرضها موضوع التلاقي بين الحضارات؛ حيث يتعرض الطلاب المبتعثون للدراسة خارج بلدهم للعديد من المشكلات الاجتماعية والضغوطات النفسية الناجمة عن اختلاف الثقافات، بما تتضمنه من عادات وتقاليد وقيم؛ مما يُؤثر على تحقيق الانسجام في بيئة الطالب داخل الجامعة، وهذا يُحتم على الطالب أن يكون قادرًا على تكييف نفسه للانسجام مع الآخرين في ظلِّ هذه الاختلافات؛ ليهيِّئ لنفسه مناخًا مناسبًا للتعليم والتفكير والابتكار؛ إضافة للتمكن من ضبط انفعالاته حتى يستطيع التعايش بسلام وسط الثقافات المختلفة (هلال وجاسم، 2017).

فالذكاء الثقافي -كما عرفه بلوم (Plum, 2007)- يعني قُدرة الفرد على جعل نفسه مفهومًا أمام الآخرين عن طريق إيجاد تعامل مثمر في الحالات التي تمتاز بالاختلاف الثقافي؛ أي أنه يتضمَّن القدرة على التصرف بطريقة مناسبة في حالة وجود ثقافات مختلفة مع القدرة على امتلاك عقل منفتح Open Mind يستوعب المعلومات الجديدة والغريبة عن تلك الثقافات؛ لذا فإن الطلاب الراغبين في إكمال دراستهم في الخارج ينبغي أن يكتسبوا مهارات الذكاء الثقافي، وهنا يبرز دور المدرسة بمختلف مراحلها من خلال إكساب الطلبة السمات والصفات المعرفية التي تعينهم على النجاح في حل مشكلاتهم الاجتماعية كالمرونة في التفكير والانفتاح على ثقافات وتجارب الآخرين. مما يُساعد الطلاب على التفاعل والمشاركة مع الأفراد من الثقافات الأخرى، وإقامة علاقات شخصية وإنسانية مع أساتذة وطلاب الجامعات التي يلحقون بها (Kanten, 2014).

وقد أصبح من الأهمية دراسة طريقة التفكير لدى الطلبة بمختلف المستويات، وتدريبهم على طريقة التفكير؛ ليستطيعوا مواجهة متطلبات العولمة وكيفية مناقشة ومسايرة التيارات الثقافية، دون أن يكون لذلك تأثير على تغيير شخصيتهم أو هُويتهم أو مبادئهم وعاداتهم وقيمهم، فيأخذوا المفيد ويتجنبوا كل ما يخالف اتجاهاتهم وتربيتهم وقيمهم الدينية والإنسانية، ومن هنا ينبغي الاهتمام بالبناء الذهني للطالب؛ بحيث يكون منفتح وقادر على التمييز والتفكير والتجاوب مع الفكر المغاير (المصري، 2017). فنحن بحاجة لتخريج طلاب يتصفون بالانفتاح الذهني بإكسابهم مجموعة من الخصائص العقلية كسرعة البداهة وسعة الإدراك والقدرة على التحليل والتقويم واستخدام الأدلة والبراهين في اختيار البدائل عند اتخاذ القرارات والبحث عن علاقة السبب بالنتيجة، والمرونة وطلاقة الفكر والبحث والاستقصاء وكثرة القراءة والبراعة في توظيف المعلومات وحل المشكلات، وهذا يجعلهم يتسمون بالذكاء في تخاطبهم مع الثقافات الأخرى. وهنا أختم بقصة لشاب مبتعث للدراسة خارج السلطنة سرد لي موقفًا حصل له خلال فترة الابتعاث يقول: أثناء دراستي تمكنتُ من إقامة علاقات طيبة مع زملائي من الجنسية الأمريكية، وفي إحدى جولاتنا عرضوا علي الذهاب إلى الكنيسة، ولم أعارض بل وافقت لرغبتي في التعرف على ذلك، وبعد الخروج من الكنيسة عرضوا علي أن أدخل في ديانتهم فقلت لهم إذا ما دخلتم في الإسلام عندها أدخل في ديانتكم، فأذهلهم الرد ولما يعاودوا فتح الموضوع علي مرة أخرى. رُبما يتمتع خالد بتفتح الذهن، ولكن هل جميع الطلاب يمتلكون ذلك؟ وتكون ردة فعلهم كخالد؟

أبناؤنا الطلاب المسؤولية مشتركة في زيادة الوعي الثقافي؛ لإعداد أجيال تتسم بالتفكير والتفتح الذهني مما يُسهم في التعايش مع الثقافات الأخرى.

تعليق عبر الفيس بوك