الحرب على إيران لم تعد خيارا أمريكيا

 

إدريس هاني **

 

لا تكفي الحماسة في خوض حرب إذا كان الاحتمال الشديد أنّها ستكون مدمّرة، بينما في الاستراتيجيا الحربية تكون المجازفة بالحرب جنونا إذا كان الاحتمال بالضرر أخفّ مما نجده اليوم في حرب تلويحية أمريكية ضدّ إيران. بل سيكون الموقف أكثر جنونا حين تكون الحماسة هي من يحرك من ليسوا في هذه المعركة سوى محميين.

لقد جاء تصريح ترامب الأخير مخيبا لآمال حلفائه في المنطقة، حيث قال على هامش لقائه مع شينزو آبي رئيس الوزراء بطوكيو أنّ بلاده لا ترغب في تغيير النظام الإيراني، ولا تريد إلحاق الأذى بإيران، بل تتطلع إلى عدم امتلاك طهران أسلحة نووية.

لقد قلنا مرارا أنّ كلمة ترامب تذكّرنا بالترامبتيست، البوق الذي يتطلّب من العازف جهدا ونفسا قويّا، فالنغم السياسي لا يكتمل إلا بعد انتفاخ الأوداج وجحوظ العينين، إنّه يعزف وكأنه في حالة حرب بالفعل. ففي تصريحه لالأخير يعترف بأنّه أمام دولة تدرك معايير العلاقات الدولية في حدود السيادة، سيكتشف أنّ إيران تريد صفقة وهو أمر ذكي في نظره مبشّرا بأنّ ثمّة إمكانية لحصول ذلك. نعم، لا بدّ من صفقة وهذه الصفقة في الحقيقة هي حقوق يكفلها القانون الدولي، فواشنطن تسمّي الحقوق ومطالب السيادة صفقة، مما يقتضي التفاوض عليها، وهذا هو الخلاف المزمن بين واشنطن وطهران. لكن ترامب الضليع في المقاولة إن أحسنا الظّن يدرك أنّ هناك صفقة يجب أن تنجز وهي قد تكون أقلّ ضررا من إعلان الحرب. لقد صرح ترامب بأنه يرغب في الحديث إلى القادة الإيرانيين إن كان الإيرانيون يرغبون في الحديث، معتبرا ألا أحد يريد أن يرى ما يحدث من فظاعات "وخصوصا لنا".

وبمثل هذا الكلام يكون ترامب قوّض البراباغاندا التي يسوّقها خصوم طهران من خلال التهوين من نتائج حرب ينفخون فيها، فالأسلحة الإيرانية من شأنها أن تنتج فظاعات إذن وليست خردة كما ذكر بعض المحللين المتحيّزين إلى حدّ الإسراف.

ويبدو أن تغيير اللهجة الأخير ناتج من تطرق الطرف الياباني أثناء زيارة ترامب لطوكيو للنزاع الأمريكية -الإيراني، حيث كما تناقلت وسائل الإعلام هناك نية من قبل المسؤول الياباني لزيارة طهران، كما أنّ ظريف زار طوكيو قبل ترامب مما يلفت إلى إمكانية أن تلعب طوكيو دور الوساطة في نزع فتيل الحرب.

وفي هذه الأثناء قام ظريف بزيارة لعواصم كثيرة تستهدف الجوار العربي والإسلامي كباكستان وعمان والعراق وقطر والكويت في إطار مشروع جدّي لتوقيع اتفاقيات صداقة وعدم اعتداء مع دول الجوار في خطوة لنزع التوتر في المنطقة، وقد جاء في المشروع الذي تقدمت به طهران لجوارها لا سيما في الخليج ما يؤكد على "تقديم ضمانات متبادلة لعدم قيام دول المنطقة بأي تحرك عدائي -عسكري أو أمني أو سياسي- ضد بعضها" كما جاء في المشروع "منع أي تحركات إرهابية أو إعلامية أو سياسية أو عدائية من طرف ثالث يمكن أن تهدد أمن باقي الدول الموقعة".

يُصبح المشروع جدّيا حين يصدر من دولة قويّة ومبادرة من قوة استطاعت لأوّل مرّة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوّض مشروعها في الشّرق الأوسط والخليج بخطوات متصاعدة حدّ الإفلاس. طهران تعرف ما تفعل لكن خصومها مضطربون ويعيشون أسرى لكثير من الأوهام والصور النمطية المبسّطة والاستخفافية ولم يعد في جعبته ما يقدّمونه للاستقرار في المنطقة سوى الكراهية التي زجّت بكل المكتسبات وحولت المنطقة إلى تصريف أحقاد، وهي الأوهام التي قادت المنطقة إلى خيبة أمل وتوتّرات ورُهاب مزمن. يرى ترامب في تصريحه الأخير ضمن المؤتمر الصحفي بطوكيو بأنّ بلاده لا ترغب في تغيير النظام الإيراني، ولا تريد إلحاق الأذى بإيران، بل تتطلع إلى عدم امتلاك طهران أسلحة نووية، وقال: "أعتقد أنّ إيران لديها الفرصة في أن تكون دولة عظيمة مع القيادة الحالية نفسها، نحن لا نسعى إلى تغيير النظام، أريد توضيح ذلك، نحن نسعى إلى عدم امتلاك إيران السلاح النووي"..

حين تُصبح الأزمة بين طهران والغرب يرتفع منسوب الحماسة لدى المحاور الإقليمية، بينما من يدرك موازين القوة في المنطقة ومن يعرف مزاج وطبيعة إدارة الإيرانيين للأزمة يدرك مسبقا أنّ الكثير من أحلام اليقظة ستصاب بخيبة أمل، تستطيع إيران أن تنتزع اعترافات بموقعها من الإمبراطورية الأمريكية التي تتوسّلها محاورها بأن يصدر مجرد رضا عنها، فإيران لا تطلب من واشنطن شيئا وهذا في حدّ ذاته يجعل المسؤول نفسه في البيت الأبيض يقدّر أنّها على طريق أن تُصبح دولة عظمى ولا يشكل ذلك أي مشكلة بقدر ما يشّكل ذلك مشكلة لدى محاور صغيرة لا تمتلك استراتيجيا دقيقة ولا قدرة على التعامل مع المتغيرات خارج الأساليب التقليدية للعلاقات الثأرية التي لن تغيّر من ملامج الجغرافيا السياسية للمنطقة شيئا. ففي هذه التلويحة التي نفخ فيها ترامب الـ"ترامبيتست" بقوّة يبدو أنّ طهران انتصرت مرّة أخرى، لكنّ لا أحد يستوعب الدّرس. ومن باب التكرار المملّ: لا أحد يملك تغيير النظام الإيراني ولا أحد يملك محو إيران من الخريطة ولا أحد يملك حشر إيران في زاوية لا يسمح بها موقعها الجيوستراتيجي ولا أحد يملك إقناع أمريكا لخوض حرب تدرك هذه الأخيرة أنّها فظيعة.. ربما هناك ما يمنح شقاوة المضيّ في تكرار التجارب الفاشلة لكن هل يوجد من يملك الشجاعة لتعايش سلمي خارج منطق التّوتّر وهواجس الحرب؟ تصريحات ترامب الأخير تصلح أن تكون مكنسة لكلّ النّفايات التحليلية التي تقدّمها الصحافة الصفراء.

 

** كاتب مغربي

تعليق عبر الفيس بوك