"فورين بوليسي": المتشددون لا يمثلون الشعب الإيراني.. وطهران لن تبادر بالحرب

ترجمة- رنا عبد الحكيم

منذ أوائل مايو الجاري، تتجه الولايات المتحدة وإيران نحو صراع مفتوح، ففي 6 مايو، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون نشر حاملة طائرات وقاذفات "بي 52" في مياه الخليج، وبعد التلاسن الدبلوماسي بينمهما، بما في ذلك التهديدات الإيرانية بالانسحاب من الاتفاق النووي، وإشارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى "معركة محتملة" مع إيران، أعلنت طهران مؤخرا أنها ستضاعف إنتاج اليورانيوم المخصب إلى أربعة أضعاف.

وتقول المجلة إن معظم المراقبين يرون أن سلوك الحكومة الإيرانية مدفوع بهدف دائم وشامل وهو بقاء النظام الحاكم في سدة السلطة. لكن الجانب الأقل وضوحًا في هذه الأزمة، يتمثل في توجهات الرأي العام الإيراني بشأن احتمالية هذه المعركة. وبسبب الرقابة وغيرها من القيود المفروضة على البيانات، لا يزال الرأي العام الإيراني، غامضًا إلى حد كبير.

وأشارت المجلة في هذا السياق إلى بحث يستند إلى دراسة استقصائية أجريت في عام 2015 وشملت أكثر من 1500 إيراني محافِظ بشأن الحج إلى كربلاء في العراق، حيث هدفت الدراسة إلى تسليط الضوء على توجهات هذا القطاع غير المبحوث- إلى حد كبير- من الشعب الإيراني، والتي ترى الدراسة أنهم داعمين بشدة للنظام الإيراني الحاكم، وتتسم هذه الفئة بالدفاع المستميت عن السيادة الوطنية في إيران فضلا عن عدائها للولايات المتحدة.

وعبّر ما يقرب من ثلاثة أرباع المشمولين بالدراسة عن دعم قوي للنظام الإيراني على نطاق واسع وللزعيم الأعلى علي خامنئي، تحديدا. وأبدت هذه الفئة دعما أكبر لتدخلات إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، من اليمن إلى العراق. ومع ذلك، لم يعتقد المشاركون في الدراسة أن الدافع الإيراني لتلك المعارك هو الهيمنة الإقليمية، كما إنهم لم يرغبوا في أن يكون الأمر كذلك. وعند تقديم 4 دوافع محتملة لسياسة إيران الخارجية، حاجج حوالي 40% من عينة الدراسة بأن إيران تصرفت في المقام الأول لضمان أمنها الخاص، مع اعتقاد حوالي 10% بأن هدفها هو إحداث تأثير إقليمي أكبر.

وترى فورين بوليسي أن هذا التركيز على قضيتي الأمن واستقرار الحكم، يؤكد الاعتقاد بأنه ينبغي على إيران إيلاء مسألة تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي أولوية قصوى، بعد سنوات عديدة من التقشف الناجم عن العقوبات.

لكن الاهتمام باستقرار الحكم كان مصحوبًا بدعم قوي ومدهش للتعاون مع الولايات المتحدة في مجموعة من القضايا، فما يقرب من 65% من المشاركين في الاستطلاع أيدوا أو دعموا- إلى حد ما- العمل مع الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش، وهو ما فعلته إيران، بينما أكثر من 80% مؤيدين أو مؤيدين إلى حد ما للاتفاق النووي الذي أبرم في 2015.

حتى في الجوانب غير السياسية، فقد أيد أكثر من نصف المشاركين مزيدًا من علاقات التعاون مع الولايات المتحدة، بما في ذلك المحادثات حول مواضيع ذات الاهتمام المشترك، وزيادة أعداد الصحفيين من كلا الجانبين في كل دولة، وتعزيز التبادل الثقافي والتعليمي والرياضي.

وبالنظر إلى أن العينة تم اختيارها من الإيرانيين المحافظين، الذين يميلون إلى أن يكونوا أكثر دعمًا للنظام، فمن المرجح أن يكون دعم التفاعل مع الولايات المتحدة في مجمل الشعب الإيراني أعلى.

وبحسب "فورين بوليسي"، فإن المشاركين ليسوا بهذه الدرجة من السذاجة بشأن المصالح المختلفة لإيران مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، وبدلاً من النظر إلى الولايات المتحدة على أنها "خطر داهم"، رأى معظمهم أنها ذات تأثير ضئيل على النزاعات في اليمن والعراق. كما فضلوا أن تظل الولايات المتحدة غير متورطة في أية تدخلات إنسانية أو أمنية في الشرق الأوسط.

وكان التشكيك في تورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مرتبطا بلا شك بتصور مفاده أن واشنطن تتعامل مع إيران وفق سياسات غير عادلة، لا سيما بالمقارنة مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وفي حين أن أقل من 20% من الإيرانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة كانت صادقة وعادلة على الإطلاق مع إيران، شعر أكثر من 80% بأن أمريكا كانت على الأقل صادقة وعادلة إلى حد ما مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

وتشير هذه النتائج إلى أنه حتى بين مؤيدي النظام، لا يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها عدو إيران، كما يشير الخطاب السياسي والأكاديمي، لكنهم يسلطون الضوء على احتمال توتر العلاقة بسبب الاعتقاد بنظرية "السياسات غير العادلة". وعندما ينظر إلى العلاقة بين إيران وأمريكا من خلال هذه الزاوية، تصبح تصرفات إيران الأخيرة أكثر وضوحًا. فمن المحتمل أن تكون دوافع طهران ناجمة من المخاوف من الحفاظ على الذات أكثر من العدوان، ومدفوعة بعدم ثقة واشنطن المتزايدة.

وترى المجلة أن هذا الفهم في بعض جوانبه، أمر مطمئن، مما يدل على أن العدوان الأحادي الجانب أو غير المبرر، أمر غير مرجح. ومع ذلك، فإن النتائج تحذر أيضًا من الإشارات الخاطئة التي تصدرها الولايات المتحدة والتي يمكن اعتبارها تهديدًا حقيقيا لبقاء النظام، والذي يمكن أن يكون بمثابة دافع فعلي لطهران لاتخاذ إجراءات دفاعية.

وتتساءل المجلة عن كيفية التوقف عن اعتبار آراء ووجهات نظر الإيرانيين المحافظين على أنها تمثل الشعب الإيراني بأكمله؟ لكن هذه المجموعة من الإيرانيين التي تدعم النظام هي بالتحديد من يُنسب إليهم في الغالب مناورات طهران العدوانية في الإقليم. ومن خلال فهم دوافعهم ومصالحهم، يمكن للولايات المتحدة أن تفهم بصورة أفضل الإجراءات التي من المحتمل أن تنزع فتيل الحرب وأيضًا تسهم في تحسين العلاقات الثنائية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة