رمضان.. دروس وحكم

 

 

محمد بن حمد البادي

 

 

شهر رمضان ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾؛ شهرٌ تُضاعف فيه الأجور وتكثُر فيه الخيرات وتتنزل فيه الرحمات والبركات، شهر النفحات الإيمانية، شهر الصيام والقيام والتعبد والتهجد، شهرٌ فيه ليلةٌ عظيمة ٌ، وصفها الله تعالى بقوله ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾؛ شهرٌ أنزل فيه القرآن دستوراً خالداً للأمة المحمدية، آياتٌ تُتلى آناء الليل وأطراف النهار، على مدار الساعة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

 

ولكن هل فعلاً تعلمنا الدروس التي شُرِع من أجلها الصيام؟؟

 

إن الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بل فيه حكمٌ بالغةٌ وأهدافٌ ساميةٌ، فمن أبرز أهداف الصيام كما يقول الله عز وجل في محكم كتابه العزيز ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، ليس في جانب الطاعات والعبادات فحسب، بل يشمل جميع جوانب الحياة ، يجب أن تدرب نفسك في هذا الشهر الكريم على أن تكون حياتك طوال العام ملونةً بفعل الخيرات، خاليةً من اقتراف المنكرات ، مبتعداً عن السلوكيات والعادات السيئة ، معززاً ذلك بالقيم الإنسانية الفاضلة، أن تكون صادقاً، أميناً، مخلصاً، باراً بوالديك، محسناً لمن حولك، سمحاً في تعاملك مع الناس، حدد لنفسك أهدافاً إيجابيةً تكتسبها  خلال شهر رمضان، لتكن لك منهجاً طوال العام، وتخلص من العادات السيئة التي لازمتك لتحقق الغاية السامية من الصيام.

 

 

 

هل أدركنا الغاية من الصيام؟؟

 

إن من أبرز حكم الصوم تعويد المسلم نفسه على الصبر وتحمل المشاقّ، ومواجهة الظروف القاسية التي قد تعترض حياته إذا انقطعت به السبل، فلا يسقط من أول عثرة، ولا ينكسر من أوهن سقطة، ولا ينهار من أبسط صدمة، ولا يجزع من أقل مصيبة.

 ولكن علام يصبر الصائمون اليوم وهم في ظلٍ ظليلٍ وهواءٍ عليلٍ يهب عليهم من أجهزة التكييف، وأعمال لم يبق فيها تعبٌ ولا نصبٌ، قلّت ولانت وسهلت، وقصرت فترة الدوام وتقلصت، وتُقضى فترة الصيام والناس نيام، فلا جوع قارس ولا جو لافح ولا عطش ولا تعب؟!

ومع ذلك ـ مع هذه النعمة العظيمة التي نحمد الله عليها ـ تثور الأعصاب لأبسط الأسباب ويعبر الناس عن سوء مزاجهم النفسي بشتى الطرق من غضبٍ وصخبٍ وسبٍ وشتمٍ، وعدم احتمال كلام الآخرين، مبتعدين عن تحقيق الصفاء النفسي والسمو الروحي بتطبيق حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ((فإن سابّك أحد أو قاتلك فقل إني صائم))، فأين الصبر الذي دربنا الصيام عليه؟

 

 

هل حقاً فهمنا الفكرة من مشروعية الصيام؟

 

قبل دخول رمضان بأيام نذهب للتسوق، نملأ العربة والعربتان وربما أكثر بما لذ وطاب من مأكولٍ ومشروبٍ، والتي لو اقتصدنا فيها لربما تكفينا حول كامل وليس شهر واحد، تلك الأطعمة تُطعم قرية كاملة وليس أسرة واحدة، فما يوضع على مائدة الإفطار يرفع إلى براميل القمامة إلا قليلاً مما يأكلون، إسراف وتبذير في المأكل والمشرب، فهل من أجل الإسراف والتبذير شرع الصيام؟

 والله تعالى يقول ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ))

 

تمهل وقف قليلاً مع نفسك، هل تعلمت الدرس من الصيام؟

في شهر رمضان يدرب الصائم نفسه على الإحساس بمعاناة الآخرين، والشعور بما يكابد الفقير والمسكين وذي الحاجة ، فإذا كنت أيها الغني قد أغناك الله من فضله ، وكنت ميسوراً فيسّر الله لك كل ما تشاء من طيبات الدنيا، فاعلم أن في الجانب الآخر فقراء ومساكين وذوي الحاجة ، لعلهم قريبون منك ،أمام ناظريك ، على بعد أمتارٍ قليلةٍ منك ، ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ يعانون طوال العام من عضة الجوع وحرقة العطش، ففي هذا الأمر تساوى معهم رمضان مع باقي الشهور، من غير اختيار أو صوم ، فليرق قلبك لهم وجُد عليهم بما يخفف بلواهم، درب نفسك على تعهدهم دائماً.

 

رمضان شهرٌ كريمٌ وضيفٌ عزيزٌ، مليء بالدروس والحكم والعظات، وموسمٌ زاهرٌ بالطاعات والعبادات والقربات، وليس للطعام والسهر والنوم والملذات، بالأمس نترقب وصوله، واليوم تتسارع بنا الخطى لترينا أفول شمس آخر يومٍ فيه، فما أجملها من ليال، وما أسعدها من لحظات.

 

ولكن رويدك، فالسباق لم ينتهِ، والوقت لا يزال فيه متسع، فإن خففت فزد، وإن قصرت فعد ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وتذكر أنه ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.

تعليق عبر الفيس بوك