الحرب على إيران

 

< قرار ترامب بيع السلاح المتطور للسعودية والإمارات دون الرجوع للكونجرس هو بداية للحرب على طهران

بسام أبو شريف

أعلن بومبيو وزير خارجية ترامب، أن الصفقة الكبيرة لبيع الأسلحة المتطورة للسعودية والإمارات تمت دون أخذ رأي الكونجرس بعين الاعتبار، وقال إن هذه الصفقة الخارجة عن إرادة الكونجرس ستتم لمرة واحدة فقط، وبرَّر بومبيو وبولتون قيام إدارة ترامب بهذه الخطوة في ظل توترات شديدة في علاقة البيت الأبيض بالكونجرس جاءت كي تزوِّد الولايات المتحدة حلفاءها بأسلحة للدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الإيرانية، وراحت أجهزة إعلام البيت الأبيض توحي بأنباء ومعلومات مختلفة، تبيَّن أن مصدرها تقارير استخباراتية إسرائيلية.

وقد ذكر بولتون بالحرف أنَّ المعلومات الاستخبارية المتوفرة لواشنطن تؤكد أن ما تُخطط له إيران هو "عميق وخطير".

وكانت إسرائيل قد جهَّزت تقارير استخباراتية مزورة لبث جو عام يفيد بأن إيران تهيئ لضرب مؤسسات حيوية في بلدان الخليج، وأنها تسعى لإيصال أسلحة متقدمة لليمن لضرب مرافق حيوية في السعودية، وأرسلت إسرائيل تقارير حول دور الحشد الشعبي في هذه الهجمات، لكن الأخطر هو الذي يتصل بدور حزب الله في لبنان والمنطقة بأسرها، ويشدِّد على ضرورة توجيه ضربات "مكرسحة" لحزب الله.

الولايات المتحدة التي أعلن رئيسها أنها لا تريد الحرب مع إيران، لكنه هدد بسحق إيران إن هي أقدمت على الاعتداء على مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها، وتبنَّى ترامب أفكار بولتون وكوشنر التي لا تضع الولايات المتحدة مباشرة في حرب ضد إيران، بل تضع حلفاء أمريكا في المنطقة في حرب ضد إيران، ومن هم حلفاء واشنطن: إسرائيل أولا، والسعودية ودول الخليج (والغريب أنَّ بومبيو أضاف الأردن بقائمة الدول التي ستشتري الأسلحة في هذه الصفقة غير الشرعية).

وتوجَّه ترامب لليابان ليحرف الأنظار عما تقوم به أجهزته وإدارته، فالخداع واضح هنا: إذ جاء إعلان بومبيو عن الصفقة للسعودية والإمارات والأردن في الوقت الذي كانت تصل فيه الأسلحة لهذه البلدان "أثناء زيارة ترامب لليابان التي كانت مُعدة لتدوم يومين، وطلب البيت الأبيض تمديدها لثلاثة ثم أربعة أيام"، وسيقضِي ترامب وزوجته وقتا طويلا لمشاهدة عجائب اليابان وزيارة إمبراطورها الجديد ورؤية المصارعة وممارسة الجولف.... ترامب يريد أن يمرر عدة أيام بعيدا عن واشنطن ليترك لأركان نظامه القيام باللعبة، وليتفادى صِداما يتصاعد بينه وبين الكونجرس الذي بدأ يتحدث أعضاؤه علنا عن الإطاحة به.

سوف يلجأ ترامب للحرب على إيران من خلال حلفائه الإسرائيليين والسعودية ودول خليجية، وسيستخدم الأردن كقاعدة خلفية وممر للطائرات المهاجمة عبر الأجواء الأردنية-العراقية و(هذا دور إسرائيل)، ولا شك أنَّ طهران تراقب عن كثب ألاعيب الإدارة الأمريكية؛ لذلك أكدت بحزم رفضها التفاوض مع أمريكا في ظل الضغوط والعقوبات وخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لهذا خرج الحرس الثوري بإعلان لافت للنظر: فقد أعلن الحرس الثوري أنه قادر على ضرب كل السفن الحربية الأمريكية وتدميرها "بسلاح سري"، وتتساءل أجهزة الاستخبارات عن هذا السلاح السري، وعما إذا كان الحديث عنه هو تهديد سياسي أم أن إيران تمتلكه فعلا، والتقدير أن هذا الإعلان جاء لردع واشنطن عن خطتها في شن حرب على إيران من خلال إسرائيل والسعودية والإمارات، ويتصرف التحالف السعودي في هذه الفترة بتوتر وقلق شديدين، ويدفع الأموال الطائلة للحفاظ على التحالف الذي أصيب باهتزاز شديد أفقده توازنه؛ فهو يدفع مبالغ طائلة لضباط السودان الذين يتحكمون بالقرار (حتى الآن)، أكثر من أربعة مليارات دولار منذ بداية التحرك الشعبي، وجاءت النتيجة رفض المجلس العسكري تسليم السلطة للمدنيين ومواصلة المشاركة في الحرب على اليمن، ويجري الضباط مباحثات مع رئيس مصر لمدهم بالدعم ضد التحرك الشعبي، وكذلك استدعى السعوديون حفتر لتمويل الهجوم على طرابلس ومنعه من العودة للمفاوضات، وطلبت السعودية من الرئيس السيسي دعم حفتر في محاولة للسيطرة على ليبيا، وكذلك فعلت الإمارات التي كشفت المعارك أسلحتها وآلياتها في أرض المعركة.

وما جواب حفتر لماكرون من أن الظروف غير مواتية لوقف إطلاق النار إلا جواب السعودية عن هذا السؤال، وتتلاعب السعودية وإسرائيل بالأوضاع في تونس، وتقوم المخابرات الإسرائيلية بالتدخل في شؤون تونس من خلال التجنيد المباشر ومن خلال الأجهزة الإلكترونية، وتدعم إسرائيل بكل الوسائل حزب النهضة، وتساعده على النجاح في الانتخابات بوسائل مختلفة تنطلي على البسطاء.

أمَّا في الجزائر، فتحاول إسرائيل من خلال شبكتها، والتي تتكون من فرنسيين يهود ومن جزائريين فرنسيين يهود هاجروا من الجزائر وبقي بعضهم، تحاول أن تدق إسفينا بين الجيش والحراك الشعبي، والجدير بالذكر أن الحركة الطالبية الجزائرية التي نشطت في المراحل الأخيرة للحراك قد تسلل لها مجموعة من الشباب المجندين عبر جمعيات فرنسية تنادي بحقوق الإنسان لخدمة إسرائيل دون أن يعلموا أن أعمالهم تخدم إسرائيل، ومن واجب الأجهزة الأمنية الجزائرية المراقبة والتدقيق والتحقق من الذين وصلوا للجزائر خلال فترة التحرك الشعبي -خاصة من اليافعين، وتحاول إسرائيل منع أي اتفاق لإجراء الانتخابات في موعدها ليصبح الوضع في الجزائر وضعا يوصف "بالفراغ"، وفي الوقت ذاته تنشط عمليات تهريب السلاح من تونس الى الجزائر بهدف إشعال فتنة.

وهذا يُلقِي على قادر صالح مسؤولية كبيرة، وواجبه يقضي بأن يردع قبل أن يحيلوا قادر صالح نفسه هدفا لهم.

ترامب في مأزق داخلي حقيقي، خاصة بعد أن تورط بالمشاركة في توزيع مقطع فيديو محرف لرئيس مجلس النواب بيلوسي، حرف فيه تصريحها، وكذلك ازدياد مطالبة أعضاء الكونجرس ببدء الإجراءات لتنحيته عن منصبه؛ لذلك فإنَّ الحرب في الشرق الأوسط تخدم هروبه من الأزمة الداخلية، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية بسبب الحرب التجارية التي يشنها على الدول الكبيرة صناعيا.

وكيف نواجه هذه الحرب؟

هل ننتظر وقوعها؟ هل نرد فقط إذا قاموا بالاعتداء؟

إنهم يعتدون ويتمادون؛ فلماذا لا نبادر بالهجوم الدفاعي غير المتوقع؟

إن الإجماع على رفض مؤتمر البحرين يولِّد جوًّا قوميًّا ووطنيًّا جيدًا، ويجب أن يتابع بموقف متحرك شعبيًّا وعلى امتداد الساحات العربية بدءًا من فلسطين، لابد من تعليق الجرس، لابد من قيادة تبادر.. وأي قيادة أفضل من قيادة معسكر المقاومة؟!

تعليق عبر الفيس بوك