قراءة في التاريخ

 

 

يوسف عوض العازمي

 

المؤسف فعلاً أن لا يتغير في أيامك إلا التاريخ.. جاك كانفيلد.

 

عندما تقرأ التاريخ بعمق وهدوء، وتشغل العقل وتفكر تفكيرا نقديا، وتستخدم فرضية الشك، ستجد أن كثيرا من أحداث التاريخ المسلم بها وربما لا نقاش حولها، هي كذب وإن أحسنا الظن، ينقصها الكثير من الدقة، هناك أحداث لاتتوافق ومفهوم بدء الحدث، نقرأ عن أحداث لايمكن أن تكون صحيحة، إلا في مخ كاتبها، بطبيعة الحال إن كان كاتبها حسن النية، واجتهد ليدون معلومة لحدث تاريخي لكنه أغفل أو فات عليه بعض من العناصر المهم توفرها حتى يحصل على صفة الحيادية على أقل تقدير.

التاريخ هو كل شيء يمس الإنسان، شخصيته وحياته وعمله، كل شيء يتدخل به التاريخ، حتى للشاي والقهوة تاريخ، التاريخ ليس كتابا تقرأه ثم تضعه على أحد الأرفف، بل إن أخطر عمل قد يقوم به إنسان هو أن يكون مؤرخا أمينًا ونزيهاً، لأنّ المؤرخ النزيه لن يعجب الكثير، وحتى أشرح الفكرة أكثر تخيل إنك كإنسان بسيط، تم إيقافك وطلب منك التحدث عن تاريخك الشخصي من سنة كذا إلى سنة كذا، هل ستذكر كل تاريخك الذي تتذكره بأمانة ونزاهة؟

لا اعتقد ذلك، لاتجاوب بلسانك بل فكر قليلا ستجد أنه من الصعوبة بمكان أن تنطق بالحقيقة عن كل شيء، وبشفافية تامة، هذا عن حياتك الشخصية التي لن تحرك ساكن حتى على أقرب بقالة (مع كل الاحترام لشخصك) فما بالك لو أنك ستتناول حقبة تاريخية معينة سواء في العصر القديم أو الوسيط أو الحديث أو المعاصر، الأمر صعب جدا، لذا تجد المؤرخون قلة ونادرين إن قارنتهم بالمهندسين مثلا، أو المحامين أو بقية المهن المحترمة.

أتذكر نصحني أحد الأحبة ذات مساء: يا بني لا تعمل مؤرخا فهو أخطر عمل في العالم، وفي تأريخك للحدث اختر من اثنتين: إما أن تنقله بصدق ونزاهة وأمانة متجردا من رأيك الشخصي وميولك، وإما أن تتركه وتصد عنه، وهذا أضعف الإيمان، حتى لا يسجل التاريخ معلومة مزورة باسمك وتتحمل وزرها.

الذي أميل إليه وأظنه في نفس أهمية التأريخ، هو التحليل التاريخي، وهو تحليل المعلومة التاريخية وفرزها وتفكيكها وتشريح بنيتها، ووضعها في مقارنة وحسبة تاريخية مع أحداث أخرى حصلت بنفس الحقبة، ويتم تجميع المعلومات ووضع تصور عام لها، ثم تحليلها وبعد ذلك قد نصل لنسبة 70 إلى 80% من صحة المعلومة، وهي نسبة عالية جدا، وحتى التحليل التاريخي يستطيع الباحث فيه الإبداع أكثر من النقل، ففي التحليل قد تستعين بعلم السياسة وعلم المخطوطات والآثار، وعلم الآنثروبولوجيا، والاقتصاد بأنواعه، وتفعل التفكير النقدي وخاصية الشك، وحتى نظريات النقد الأدبي المرتبطة بعلوم الفلسفة، ومنها تستلهم تفكيك المعلومة، ومحاولة الوصول للنتيجة المطلوبة تاريخيا.

للتاريخ أهميّة عظمى لايدركها إلا الواعون بأهميته وتأثيره، وبعده الإنساني والأدبي، ولاننسى حركة الترجمة في العصر العباسي، وكيف نقلت التاريخ بتوسع وفتحت الآفاق، حينما تمّ الإطلاع على العلوم من الأمم الأخرى، وتأثيرها على الحضارة العربية والإسلامية فيما بعد.

تعليق عبر الفيس بوك