جمال النوفلي
لقد أكرمنا الله كما أكرم الأمة الإسلامية جميعها بهذا الشهر الفضيل شهر رمضان، وأمرنا أن نصوم فيه بالكيفية التي وجهنا إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الانقطاع عن الطعام والشراب منذ بزوغ الفجر وحتى مغيب الشمس، والإكثار من عمل الصالحات واجتناب عمل النواهي والطالحات، وهو أمر تتفق عليه جميع الأمة الإسلامية، إلا أننا لو تأملنا في حالنا لوجدنا أنَّ ما نشهده في رمضان من كل عام لا يُمثل شيئا من ذلك، فعندما يقال رمضان أقبل تتبادر في أذهان الكثير موائد الطعام الكبيرة وصلاة التراويح والسهرات والفتاوى، مع أنَّ كل ذلك ليس من الصوم في شيء.
لماذا تصبح الأمور صعبة عندما يأتي رمضان، الأجانب والمعذورون من الصيام لا يجدون لهم مطعماً يأكلون منه، يتم تقليص عدد ساعات العمل فتقل الإنتاجية، تذهب إلى إحدى المؤسسات لتنهي مُعاملة ما فلا تجد أحداً، يتسيب الموظفون من مكاتبهم ومن أماكن عملهم بحجة أداء الشعائر، تنشغل النساء في النهار بقراءة كتب الطبخ والبحث عن أفضل أماكن بيع القطائف والسمبوسة، وفي الليل يتسمرن أمام شاشات التلفاز لمُتابعة المسلسلات الرمضانية، يتسلل كثير من الناس إلى المساجد فيعتكفون يكثرون من الصلاة ومن قراءة القرآن ويكررون الاستغفار والدعاء، يدعون الله أن يُبارك لهم في رزقهم الذي أهملوا مصدره وأن ينقذ الأمة الإسلامية وأن ينصر المُسلمين، يقضي شباب المسلمين صباحهم في النوم وقليل من العمل عند منتصف النهار يتبادلون المقاطع وينتقدون أداء المُمثلين في المسلسلات ثم رياضة أو سهرات حتى قبيل الفجر، والشعب مع كل ذلك يُعاني ويشتكي من عدم تحسن الوضع الاقتصادي، وهذا طبيعي فكل شيء يبقى مجمدا منذ اقتراب رمضان وحتى منتصف شوال. تكون الأمور أصعب من ذلك، فتأتي إحدى الشركات الكبيرة فتُسرح 430 عاملا عمانيا، ليواجهوا مصيرهم أمام الديون وعبء الحياة، أما من رحمة لهؤلاء ولغيرهم من البائسين، ألا يمكن أن تجمد القرارات السيئة أيضاً إلى ما بعد رمضان.
لماذا لا نجعل رمضان أكثر سهولة وصلاحاً، فحين يأتي رمضان نقلل من مصاريفنا الشهرية لأنَّ عدد وجبات الطعام يتضاءل إلى وجبة أو وجبتين في المساء فقط، ونزيد من إنتاجيتنا ونعمل عدد ساعات أكثر لأنَّ لدينا ساعات يومية فائضة فنبذل جهدا أكبر ونطور من مؤسساتنا وبلدنا، لماذا لا نعمل صالحات أكثر مع أنفسنا فنهذبها لنسامح أنفسنا ونسامح الآخرين ويسامح الجار جاره عن زلاته وتُسامح الزوجة زوجها عن هفواته ويسامح المسؤول موظفيه عن أخطائهم، ويسامح الخصم خصمه ويصالحه، لماذا لا نحاول مثلاً أن نبحث عن معدم في البلدة فنُساعده فنكسب فيه الأجر، أو عن مراجع محتاج لعون فنعينه، أو عن طالب خدمة فنلبي له خدمته بسرعة، أو عن مريض فنعوده ونسلي عنه، أو عن مكروب فنُخفف عنه كربه وهمه. إننا طيلة العام منشغلون بأنفسنا ولا نعرف ماذا يلم الناس حولنا من احتياجات أو ديون أو هموم.
دعونا نبحث عن الخير فنفعله ونبحث عن السوء فنغيره، دعونا نغير من بعض عاداتنا السيئة فنكف مثلاً عن تعطيل مصالح الناس وعن إلقاء القمامة في غير أماكنها، أو مثلاً نعود أنفسنا على احترام الوقت واحترام معتقدات وشعائر الآخرين، ونحرص على أن نكون عادلين، حتى يكون رمضان أكثر صلاحاً ومحبة وخيرا.