الحضور العماني في ملتقى الإعلام العربي

 

أ.د. حسني نصر

أضفى الحضور العُماني الإعلامي الرسمي والأكاديمي رونقاً خاصًا على ملتقى الإعلام العربي السادس عشر الذي احتضنته دولة الكويت الأسبوع الماضي وحمل شعار "الإعلام .. مُتغيرات الصناعة"، خاصة وأنَّ السلطنة كانت ضيف شرف هذا الملتقى الذي جمع إعلاميين من مختلف الدول العربية ليناقشوا على مدى يومين قضايا مُهمة تتعلق بواقع ومستقبل الإعلام ودوره في هذه المرحلة الحرجة والفاصلة من تاريخ الأمة العربية، وتاريخ الإعلام العربي.

وإذا كنَّا نعترف بأنَّ عقد هذا الملتقى يأتي في وقت صعب تتجه فيه سهام النقد إلى وسائل الإعلام العربية بمُختلف أنواعها وتوجهاتها على خلفية الأدوار السلبية التي تؤديها بعض هذه الوسائل في تعزيز الانقسام حول بعض القضايا العربية المصيرية، كما يأتي وسط كم هائل من الإحباطات الشعبية المُحيطة بأداء الإعلام العربي في الكثير من الأحداث والقضايا، فإنّه من المهم أن نعترف أيضًا بأهمية عقد مثل هذه الملتقيات لمواجهة تلك الانتقادات وتحديد سبل علاج تلك الإحباطات، وقد بدا ذلك واضحًا في جلسات الملتقى التي أكدت أن الإعلام العربي ليس وحده المسؤول عن تردي الأوضاع في أكثر من دولة عربية، وأن هناك أطرافاً أخرى سياسية وربما دولية هي من قادت إلى هذه الأوضاع.

من الصعب بالطبع أن نناقش في هذا المقال كل ما طرح في الجلسات الإحدى عشرة التي تضمنها الملتقى إلى جانب الجلسة الافتتاحية، لكن إجمالاً يُمكن القول بأنَّ الجلسات ناقشت قضايا مهمة لعل في مُقدمتها أنسنة الإعلام التي خصصت لسلطنة عُمان "ضيفة الشرف"، والإعلام والرياضة، والتنمر الإعلامي، وواقع ومستقبل الإعلام العربي، ومستقبل الإعلام وإعلام المستقبل وغيرها. ولذلك نكتفي هنا بالحديث عن المشاركة العُمانية في الملتقي والمشاهد المرتبطة بها.

والواقع أنَّ المشاركة العُمانية التي حازت تقدير واهتمام كبيرين من الحضور، بدأت مع بداية المُؤتمر وتواصلت في جميع جلساته. وبالإجمال يُمكن القول إنَّ هذه المشاركة كانت مُشرفة للغاية وحققت الهدف منها، خاصة على صعيد إعلاء اسم السلطنة في هذا المحفل الإقليمي المهم والتواصل الفعَّال مع أجيال مُتعددة من الإعلاميين والمشاهير العرب. وأستطيع أن أجزم أن جميعهم خرجوا بتأكيد الصورة الذهنية الطيبة والإيجابية عن السلطنة وقائدها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه-، ومسيرتها التنموية الناجحة.

خلال مُشاركتي في هذا الملتقى توقفت أمام عدد من المشاهد المتصلة بالمشاركة العمانية بوجه عام، والتي تستحق التأكيد على خصوصيتها من جانب والفخر بها من جانب آخر، دون أن نغفل أيضاً التأكيد على مشاهد أخرى تتصل بالكويت كدولة تحمل رسالة السلام للعالم، والملتقى نفسه كتجمع ناجح للإعلاميين العرب، تميز بحسن الإعداد والتنظيم.

أول هذه المشاهد تتمثل في حرص معالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام على المشاركة بنفسه في أعمال الملتقى ممثلاً للسلطنة ومتحدثًا عن تجربة الإعلام العماني كخبير وأكاديمي مرموق في مجال الصحافة. وقد حُظي معاليه بمُتابعة كبيرة من الحضور أثناء كلمته في جلسة الافتتاح الرسمي للملتقى، التي جاءت معبرة ووافية، وشاملة للتحديات التي يواجهها الإعلام الوطني والإعلام الإقليمي العربي. وفي مشاركته في الجلسة الحوارية التي حملت عنوان "الإعلام العربي .. الواقع والمُستقبل" والتي شاركه الحديث فيها وزير الإعلام الفلسطيني نبيل أبو ردينة، ووزير الإعلام البحريني علي الرميحي استطاع د. الحسني- رغم أنَّ الجلسة كانت قصيرة- أن ينقل للحضور في عبارات موجزة فلسفة الإعلام العماني النابعة من خصوصية وتفرد التجربة العمانية في النهضة والتنمية، والمتوافقة مع منطلقاتها ومواقفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

المشهد الثاني الذي يستحق الوقوف أمامه، يتمثل في الإضافة النوعية عالية القيمة التي جسدتها مشاركة عدد من رموز وقيادات العمل الإعلامي الصحفي والتلفزيوني في السلطنة، في الملتقى سواء على مستوى الجلسات أو النقاش والتفاعل، إذ ضم الوفد العماني سيف المحروقي رئيس تحرير صحيفة عُمان، ود. محمد العريمي رئيس تحرير وكالة الأنباء العمانية، ونجمي التلفزيون العماني يوسف الهوتي وخالد الزدجالي، بالإضافة إلى عدد من قيادات وزارة الإعلام وممثلي وسائل الإعلام العُمانية. والمؤكد أنَّ هذا الحضور المميز كان له بالغ الأثر في تعريف الحضور بتطور الإعلام في السلطنة وإيصال رسالة السلام والتسامح العمانية إلى الإعلاميين العرب وطلاب الإعلام العرب المُشاركين في الملتقى.

المشهد الثالث في المشاركة العمانية في ملتقى الإعلام العربي بالكويت يختص بطلاب الإعلام العمانيين الذين شاركوا في الملتقى ممثلين لقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، والذين نجحوا باقتدار في إدارة المعرض الإعلامي العماني الذي أقيم أمام قاعات الملتقى، وقدموا صورة مبهرة لجميع المشاركين عن شباب السلطنة. والواقع أنَّ الملتقى نجح في جمع أكثر من 150 من طلاب الإعلام من عدد من الدول العربية، منحهم الفرصة للقاء والحوار معاً والاشتراك بالنقاش البناء في الجلسات المختلفة، والتعلم من كبار الإعلاميين والمؤثرين في العالم العربي. وكان لطلاب السلطنة إسهام واضح ومميز في الجلسة الأولى التي خصصت للإعلام في عُمان، إذ قدمت الطالبة دعاء الوردي من جامعة السلطان قابوس ورقة عمل أشاد بها الجميع حول الطابع الإنساني للإعلام العماني، وهي المبادرة التي أطلقتها السلطنة العام الماضي تحت مسمى "أنسنة الإعلام". وتدعو هذه المبادرة غير المسبوقة إلى توجيه مزيد من الاهتمام الإعلامي بالإنسان وقضاياه بصرف النظر عن جنسه ولونه وعقيدته. وقد حازت هذه الدعوة إعجاب وقبول كبيرين من الحضور في الملتقى، الذين طالبوا بدعم المبادرات الإعلامية الإنسانية وإجراء البحوث العلمية حول هذا النمط الجديد والمتجدد من أنماط الإعلام.

هذه المشاهد وغيرها تُؤكد المكانة الخاصة للسلطنة في عقول وقلوب العرب جميعًا، وهي مكانة يدعمها نظام إعلامي يتخذ من التسامح منهجاً له، ويبتعد كثيرًا عن حالة التنمر الإعلامي التي تسيطر على كثير من وسائل الإعلام العربية، إلا من رحم ربي!

تعليق عبر الفيس بوك