ريالات عمان "في مخباها"

64 مليار دولار يستعيدها برنامج القيمة المضافة في قطاع واحد فقط

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

بعض المصطلحات تُتداول أحيانًا، وتنتشر حتى نَنْسَى معناها الأصلي، ومن ضِمن المصطلحات التي تختصر أعلى أهداف الاقتصاد وغايته؛ هو: القيمة المحلية المضافة؛ حيث اختلطَ الأمر على البعض فربطوه مؤخرا بالضرائب، واعتقد آخرون أنه يعنِي الناتج المحلي الإجمالي، لكنَّ الحقيقة أن ما يقصد بالقيمة المحلية المضافة في السلطنة: "الإبقاء على أموال الاستثمارات العمانية في عمان"، أو بالعامية: "ريالات عمان تبقى في مخباها".

أمَّا "كيف" يمكن أن يحدث ذلك؟ فتلك هي المعضلة التي يبحث لها الجميع عن حل، ويبدو أنَّ وزارة النفط والغاز قد اقتربت من الإجابة الصحيحة، وحسنًا فعلت -وهي المسؤولة عن أكبر حجم إنفاق مباشر على ثروة طبيعية عمانية؛ وهي النفط والغاز- فالتفكير في أن يبقى الجزء الأكبر من أموال الاستثمارات في قطاع النفط والغاز يعني مليارات الريالات؛ ليس فقط كدخل مباشر عن طريق الإتاوة، بل أيضا دخول للمواطنين عبر توفير وظائف في شركات النفط، وكذلك فرص أعمال لشركات جديدة تكون عبرها المسئولة عن جزء من سلسلة توريد ضمن أعمال النفط.

ورغم أنَّ الفكرة ليست بالضرورة مرتبطة بقطاع النفط، إلا أنَّ تجربة القطاع أثبتت فاعلية متميزة، يُمكن الأخذ بها في كل القطاعات، والبداية عبر دراسة دقيقة لحجم الأعمال في أي قطاع من حيث الأعمال الرئيسية فيه، والأعمال المعاونة، والإمدادات... وغيرها من احتياجات عمل الشركة، والجزء الثاني هو الحصر الفعلي للموارد البشرية التي يحتاجها العمل؛ بما فيه مواصفات هذه الموارد البشرية والمؤهلات المطلوبة فيها علميا وتدريبيا، ولكن الأمر لا يقف هنا بل تتبقى حلقة الوصل بين "المطلوب" و"المتاح" هو كيفية جعل المتاح يصل للحجم والمستوى الذي يحتاجه المطلوب، وكيف يمكن إيجاد غير المتاح.

وهنا، تأتي الإستراتيجية التي يفترض أن تتوافر لكل قطاع؛ إستراتيجية تدرس الواقع واحتياجاته، وتستشرف احتياجات المستقبل، وتضع بناء عليها الخطط لمواءمة المتوفر من منتجات وأعمال وموارد بشرية مع المطلوب لعمل هذا القطاع؛ سواء بالتعليم أو التأهيل أو التدريب، والجزء الأهم مما أسفرت عنه تجربة قطاع النفط والغاز منذ ما يقرب من 7 سنوات وحتى الآن، هو أن يدًا وحدها لا تصفق، وأن القناعة بفكرة وهدف "توطين" الاستثمارات المنفقة هو واجب ويعود على الشركات والقطاع الخاص أيضا بالفائدة، وكان اشتراك شركات النفط في التدريب والتأهيل للموارد البشرية العماني يسير جنبا إلى جنب مع التزامها وإلزام الوزارة لها بإسناد حد أدنى من قيمة العقود المسندة لمنتجات وشركات عمانية.

وقد أظهرتْ الدراسة المسبقة التي أجريت حول الإنفاق من الاستثمارات في النفط والغاز، أنَّه وعلى مدار 7 سنوات -من 2013 وحتى2020- ستخرج 64 مليار دولار من عمان إلى شركات وموظفين غير عمانيين، والمثير أن هذه المليارات يمكن أن تبقى للشركات والموظفين العمانيين عبر برنامج القيمة المضافة لتنفق داخل السلطنة بدلا من خروجها؛ منها: 51.5 مليار دولار يمكن ببعض العمل توجيهها إلى منتجات وسلع من مصادر عمانية، و12.5 مليار دولار يحصل عليها موظفون وعمال أجانب يمكن أن تذهب لقوى عاملة عمانية.

لذلك؛ فإنَّ القيمة المضافة لأي نشاط أو قيمة المنفق في هذا النشاط أمامها مسارين، إما أن تذهب إلى أي مكان، أو أن تبقى "محلية" في بلدها، تنمِّي أعمال شركاتها وتصقل مواهب أبنائها، وتدور مرة أخرى الأموال في الاقتصاد تسوقا وبناءً... وغيرها من النشاطات التي تدعم الاقتصاد.

ومن الجيد مُلاحظة التوجه نحو تبني نهج توفير المطلوب في السوق كبديل عن فكرة أقلمة الطلب حسب العرض، وهذا ما تتضمَّنه بوضوح رؤية 2020، التي تقدمت حتى على ما خرجت بها مختبرات "تنفيذ"، وبدلا من تحديد قطاعات معينة يعتمد عليها، فتحت الباب بمرونة أكبر نحو التأقلم مع متطلبات الاستثمار؛ فإذا كان الطلب على الإنشاءات والعقارات على سبيل المثال فليتم الاستعداد لذلك، وليتأهل السوق لتوفير المنتجات التي تحتاجها الاستثمارات في هذا القطاع، وليتم البحث عن سبل توفير وظائف للمواطنين تتلاءم مع المطلوب فيه، وهكذا في كل القطاعات؛ فالمستثمر بالنهاية سواء محليًّا أو أجنبيًّا لا يهمه أو يعنيه إن بقيت الأموال أو رحلت، لكنه يريد إنجاز مشروعه بأفضل جودة، وأسرع وقت، وأقل كلفة، وهي 3 محاور رئيسية لكل رأسمال يستثمر في أي قطاع كان.

ولو أنَّ السلطنة نجحت في هذا الأمر، فستُكتب لها الريادة في مجال القيمة المحلية المضافة، التي ما زالت لا تتوافر حول نتائجها بيانات على مستوى العالم؛ فالدول أصبحت تهتم أكثر بقيمة الناتج المحلي الإجمالي أو القيمة المضافة بصرف النظر عن حجم القيمة المحلية التي أوجدتها الاستثمارات وقيمة الأنشطة، لكن في الحالة العمانية فإنَّ السير في طريق إبقاء ريالات عُمان للعمانيين، سيُشكِّل نقلة كبيرة في جذب الاستثمارات والانتعاش الاقتصادي.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z