المعارض والمعترض

 

علي بن مسعود المعشني

استمعت بالصدفة إلى حوار في إذاعة لندن مع البرلماني الكويتي أحمد نبيل الفضلي واستمتعت كثيرًا بذلك الحوار وردود النائب العلمية؛ رغم حدته وانفعاله أحيانًا كردة فعل منه على أسئلة المذيع القدير والمحاور اللامع نور الدين زُرقي، والذي يحاول بمهنيّته حصار الضيف وانتزاع اعترافات منه وإجابات بعينها، ومواجهته بأقوال ومواقف له قد تكون صدرت عنه أو قيلت عنه، وكنت ثمرة متابعتي للحوار المذكور هو توقفي عند توصيف النائب البرلماني الفضلي وتوصيفه لبعض ممن يصفون أنفسهم بالمعارضة حيث قال: هؤلاء معترضون وليسوا معارضة، ودلل على كلامه بالتوضيح أنّ المعارض هو من يحمل البرامج العلمية للنقد والإصلاح لبرامج الحكومة وسياساتها وليس من ينتقد كل شيء وعلى طول الخط .                    

في الحقيقة هناك لبس كبير وفهم خاطئ لمصطلح المعارضة ودور المعارض في الوطن العربي، رغم أنها مصطلحات مستوردة من الغرب ورديفة للتجارب الحزبية والبرلمانية الغربية، حيث إننا أقمنا التجربة الحزبية والبرلمانية على طريقة نسخ ولصق ولكنها على مضض ومنزوعة من آلياتها وبيئاتها الحاضنة وثقافاتها وموروثها القيمي لهذا ولدت ونشأت وشبت مسخا وعرجاء، وهذا حديث آخر يطول الخوض فيه.

ما نراه في وطننا العربي هو عناوين مشابهة لتجارب الآخرين من أحزاب وبرلمانات أمّا التفاصيل فهي تشبهنا تمامًا وتعكس واقعنا المُعاش في التنابز والتشهير والقدح وتصيد الأخطاء وتسجيل النقاط حتى وإن تسبب ذلك في تعريض أوطاننا ومجتمعاتنا للتمزّق والتفتيت وأهدر المقدرات ونخر في أساسات الأمن والاستقرار. وهذه الحالة هي أقرب إلى توصيفها بالاعتراض وليست المعارضة لأنّها حالة مرضية في حقيقتها وسجال عقيم وبُعد تام عن ماهية المعارضة ودورها الإيجابي والاصلاحي وخروجًا فجًا على توصيفها السياسي المتعارف عليه.

المعارضة في حقيقتها حكومة ظل، وحكومة الظل بطبيعة الحال تمتلك برامج وأدوات لمراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها وتصويبها بعلمية ووفق قواعد عمل صارمة لا مجال للاجتهاد فيها وتحت سقف المصالح العليا للوطن، وهنا تلتقي الحكومة والمعارضة في مفاصل كثيرة تحت مسمى المصلحة العامة ومقتضيات الظرف، حيث تضع خلافاتها جانبًا في مفاصل تاريخية بعينها وتتعامل مع الحكومة وسياساتها وبرامجها كوطن كي لا تكون سببًا في تأجيج الرأي العام ورفع منسوب سخطه على الوطن قبل الحكومة. المعارضة ستصبح حكومة في يوم من الأيام في البلدان التي تتم فيها تداول السلطة وفق قواعد الحكم البرلماني، وفي أقطارنا العربية رأينا برلمانيين "معارضين" ومعترضين كذلك أصبحوا من طواقم الحكومات في أوطانهم، ومن هنا فلابد من ممارسة مقتضيات السياسة الحقيقية والعميقة والتي تُلزم شخوصها ومعتنقيها من ساسة وبرلمانيين بأن يكونوا أقرب ما يكون إلى صفات المفكرين الاجتماعيين والمثقفين الوطنيين الملتصقين بشرائح المجتمع وهموم الوطن حيث تجد بهم روح المسؤولية ومنسوب الوطنية العالية والقدرة الكبيرة - وفي لحظة تاريخية - على التخلي عن قناعاتهم ورؤاهم الشخصية والالتحاق بمصلحة الوطن دون النظر إلى من يقوده أو الحامل لذلك النداء وموقعه في الخارطة السياسية أو انتمائه الحزبي. أمّا المُعترض فهو شخصية طفيلية متسلقة لا تفرق بين الوطنية والمواطنة ولا بين المواطن والمستوطن، ولا تفهم مقتضيات السياسة العميقة ولا تتوقف عند مقتضيات الظرف ومتطلبات المراحل، فتجدها شخصية استعراضية همّها تسجيل النقاط وجلب التصفيق وعبارات المدح والثناء، وتعتقد بأنّ المعارضة هي تعريّة الحكومة والوطن معًا والتشهير بهما، وإنكار كل مُنجز والتصغير من الكبير وتهويل الصغير، وهذا النموذج وهذه الثقافة هما الشائعان والسائدان في تجاربنا البرلمانية للأسف في وطننا العربي وهما وليدان طبيعيان من رحم ثقافة البؤس والفجيعة التي تسوقها بعض النٌخب العربية اليوم بزعم استنهاض الأمة والغيرة عليها.

قبل اللقاء: المُعارض يعارض الحكومة لمصلحة الوطن أمّا المعترض فيعارض الوطن كي يُصبح في الحكومة.

وبالشكر تدوم النعم.