إدارة المعرفة في المؤسسات التربوية

د. حمد بن عبدالله البوسعيدي

يُمكننا تعريف المعرفة في هذا المقال بأنها "مزيجٌ من الخبرات، والبيانات، والمعلومات، والقيم، والتشريعات، والتكنولوجيا المنظمة والمخزنة، والتي يُفترض من المؤسسات التربوية استيعابها، وتوليدها، وتنظيمها، والتشارك بها، وتخزينها، وتطبيقها لأداء مهامها بإتقان".

ولو تتبَّعنا التطوُّر التاريخي للمعرفة، سنجد أنَّ البحثَ عن المعرفة كان هاجسَ العلماء والفلاسفة منذ القدم؛ فهي ليست موضوعًا جديدا بقدر ما هي مصطلح جديد لمفهوم قديم هو "العلم"، كما أننا نجدها قد ظهرت مع بداية خلق الإنسان على سطح الأرض؛ حيث خلقه الله سبحانه على الفطرة، ثم علَّمه وهدَاه السبيل، وعلى مرِّ العُصور حظيت المعرفة باهتمام كبير من قبل الباحثين والمفكرين، منذ الحضارة البابلية؛ حيث يُعد حمُورابي أول حاكم في التاريخ يهتدي لأهمية التعلم، حين أنشأ أول مدرسة في بلاد ما بين النهرين بحدود ألفي عام قبل الميلاد. أما الفيلسوف الصيني كونفوشيوس (551-479 ق.م)، فقد ربط المعرفة بالتقدم والنجاح، حين قال: "إنَّ المعرفة هي الطريق الوحيد للتقدم والنجاح الدنيوي على الأرض". وفي الحضارة اليونانية، مجَّد الفيلسوف اليوناني أفلاطون المعرفة ورفع من قدرها وأهميتها عندما قال: "بدون المعرفة لن يكون الإنسان قادراً على معرفة ذاته". أما في العصر الإسلامي، فقد وردت العديد من الآيات القرآنية الكريمة التي تشير إلى مفهوم المعرفة؛ مثل قوله تعالى: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون" (البقرة:146)، كما أنَّ الإسلام حثَّ على طلب العلم واكتساب المعارف منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومرورا بعصر الخلفاء الراشدين، ثم التابعين من بعدهم.

وفي عصرنا الحاضر، أدَّى التطور الهائل في طرق تبادل ونقل المعلومات، وعَولمة الاقتصاد وانتقال المعلومات بسرعة الضوء، وظهور البيئة الرقمية ونظم الاتصالات الحديثة، أدى ذلك إلى تراكم المعارف في مختلف المؤسسات ومنها المؤسسات التربوية، ونظرا لكثرة المعارف المتدفقة فإن الحاجة تبدو ماسة لإدارتها، وتعتبر إدارة المعرفة من أهم الأساليب الإدارية التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق ذلك، وتعرَّف إدارة المعرفة بأنها "الجهد المنظم الواعي من قبل منظمة أو مؤسسة من أجل التقاط وجمع وتصنيف وتنظيم وتخزين وتطبيق كافة أنواع المعرفة ذات العلاقة بنشاطها، وجعلها جاهزة للتداول والمشاركة بين أفرادها وأقسامها ووحداتها؛ بما يَرفع مستوى كفاءة اتخاذ القرارات والأداء التنظيمي فيها".

ولا شك أنَّ تبني إدارة المعرفة في المؤسسات التربوية يحقق العديد من الفوائد؛ منها على سبيل المثال: زيادة الكفاءة والفاعلية، وتحسين عملية اتخاذ القرارات، وتحسين الأداء، وزيادة الإنتاجية، كما تؤدي إلى زيادة مشاركة العاملين في مختلف نشاطات المؤسسة، وتتيح فرصة المنافسة في إعداد وتخريج جيل قادر على العمل وفق متطلبات اقتصاد ومجتمع المعرفة، وتعزز القدرة على الإبداع والابتكار، وتحسن عملية صنع القرار، وتمر إدارة المعرفة التربوية بعدد من المراحل أهمها:

- عملية توليد المعرفة: ويتم فيها ابتكار المعرفة من مصادرها الداخلية؛ كالوثائق التربوية، والسجلات، والعاملين، أو من المصادر الخارجية كالشراء، والاستئجار، والانترنت... وغيرها.

2- عملية التشارك بالمعرفة: ويتم فيها توزيع المعارف، وتقاسمها، ونقلها، ونشرها، ومشاركتها من شخص لآخر في المؤسسة التربوية.

3- عملية تنظيم المعرفة: ويتم من خلال عدد من الأنشطة والعمليات؛ ومنها: تفسير المعرفة، وتصنيف المعرفة، وتوحيد المعرفة، وتقييم المعرفة، وصيانة المعرفة والمحافظة عليها، ويشمل ذلك المعارف الضمنية والصريحة.

4- عملية تخزين المعرفة: ويتم فيها حفظ المعرفة من الضياع، والمحافظة على العاملين الذين يملكون المعرفة، وتحويل المعرفة التي يمتلكونها من معرفة ضمنية إلى صريحة، على نحو يكون في متناول أفراد المنظمة، وكذلك حفظ المعرفة الظاهرة في الوثائق والسجلات، وتوثيقها باستخدام وسائط التخزين الحديثة والمتطورة.

5- عملية تطبيق المعرفة: وتأتي هذه العملية ختاما للعلميات السابقة، وتتطلب تمكين جميع العاملين من الوصول إلى معارف المؤسسة التربوية بسهولة ويسر وفي أي وقت، وجعلها جاهزة للاستخدام.

وختاما.. فإنَّه ونظرا لضخامة حجم المعارف التي توجد في مختلف المؤسسات التربوية؛ فإن مديري هذه المؤسسات لا بد أن يمتلكوا عددًا من المهارات التي تمكنهم من تطبيق إدارة المعرفة في مؤسساتهم، ومن أمثلتها: القدرة على وضع الخطط والإستراتيجيات المعتمدة على المعرفة، ومهارة متابعة العاملين بالمؤسسة للتأكد من تطبيقهم لأساليب العمل التي تعتمد على المعرفة، ومهارات تدريب العاملين على كيفية تطبيق إدارة المعرفة...وغيرها من المهارات التي ينبغي أن تتوافر في مديري القرن الحادي والعشرين.

تعليق عبر الفيس بوك