قراءة في أضداد أناشيد الرائي للشاعر د. وليد جاسم الزبيدي


د. رحيم عبد علي الغرباوي | العراق   
  لعل تقابل الأضداد يمثل جوهر المعرفة الإنسانية وبدونه تبدو لنا تلك المعرفة غير منسجمة  وعشوائية ؛ وبذا لايمكن لها أن تُدرَك , والتقابل عند غريماس ما يمنح التجربة الإنسانية والعالم شكلاً إذ نرى مخططاته قد بنيت على فكرتي الضد والنقيض (1), ويبدو أن النقيض لايمثل الكلمة وضدها فقط في الشعر إنما الصراع المستديم بين عناصر الخير والشر أو الفضيل والمدنس, كما أنَّ في الشعر التجديد والشاعر الكبير لايقبل بما هو ثابت ومستقر، إنه كالفيلسوف الكبير ثوري ، أي ما ينطبق عليه هو وصف الخلَّاق كما يرى نيتشه حين قال : " الخلاق يكسر اللوحات القديمة... الذي لايُسمَّى يُعمَّد والذي لايُقال يُنطَق به, الشاعر الحق كالفيلسوف الحق  مُخَرِّب على نحوٍ جذري" (2)  
كما أنَّ الشاعر "يرفض القيود التي تواطأ عليها المجتمع، والتي يشعر أنَّها تكبِّل إبداعه الذي يريد أن يسبح في بحر لا ساحل له " (3), والشاعر الدكتور وليد جاسم الزبيدي واحد من الشعراء الذين منحوا القصيدة سرَّ طرافتها؛ بوصفه يحاكي عوالمه المحيطة وواقعه المأزوم بالرفض عن طريق استجابته لما هو ضده، فنراه ينأى بعيداً عن الواقع؛ ليعيش اصطفاف الأماني في داخله ؛ فنراه يقول:
في بلادٍ
 ليست كمثلِ البلاد
كأيِّ بلادٍ
قروناً تصدَّتْ
ودهراً تحدَّتْ
فكانتْ رمادْ
بخيطانِها تُغزَلُ المُعضلاتْ
بشطآنِها تُركَبُ النائحات
فدرباً إلى الشمسِ ، تذرُ السنين
دروباً تشظت بصمتِ الحنينْ .
إذ نجده يصف بلاده القوية التي تحدَّت الأزمنة, وهي ليست ككل بلاد ؛ بوصفها لاقت مالاقت من صعاب؛ لكنها صارت رماداً بفعل المآسي التي دهمتها, يؤكد ذلك قوله: (بخيطانِها تُغزَل المعضلات, بشطآنها تُركَب النائحات) فعلى الرغم من ذلد إلا أنَّ جهتها الشمس، وهي تذر السنين التي حملت ما حملت من الأوزار عليها, بينما (دروباً تشظت بصمت الحنين), وكأنه يرسم صورة ماضيها بعد مواتها ، لكنها ستخضر حسب رؤية الشاعر بدلالة الرماد الذي يمثل انبعاث الحياة من جديد.
للآن في رأسِكَ الأمنيات
كطلعِ النخيل,
كذاكرةِ الورقِ المُبتَلى
بفيض المِدادْ ،
ونبض السهادْ (ص 59)
ثم ينتقل ليخاطب ذاته التي تمثل رمز القوة والتحدي وهو ابن تلك البلاد, متمنياً التغيير كطلع النخيل وهو يزهر بعد موات؛ إشارة إلى أفكاره المنتجة, وكذاكرة الورق المبتلى التي يرمز بها إلى المخطوطات التي حفظت لنا تراثنا على الرغم من طوارق الزمن، كذلك فيض المداد الذي يومئ به إلى تدفق الأفكار، ومن يحمل الأفكار لابدَّ من شيء كبير يعتمله ؛ لذلك أردف هذا المعنى بـ (نبض السهاد). إذ نراه يضاد بين حالين: الأول: دهماء الزمن بمعضلاته التي أرهقت بلاده, والآخر: الأمنيات المزروعة في رأسه التي تقف بوجه كل ما يشوب أمنياته تجاه نهضة الوطن من جديد .
ومن قصيدته ( ليس كمثله شأن ) يقول:
أرجوحةٌ غافيةٌ
أسرابُ أحلامٍ على
 سِدرةٍ عاليةْ
...
كم صاحبٍ نحتاج وسط عوالمٍ
تشكو النخاسةَ والخِداعْ .
كم صادقاً نحتاج في بحرِ الأكاذيب
التي
قد أغرقتنا بالفضيحةِ والحرامْ
بل كم نبياً سوف يُبعثُ من جديد ؟
أ فهل كفرت؟
فنحنُ أحوج للنبوةِ من جديد
تُهنا سفيناً والزمان ولا معين
ليس كمثلهِ شأنٌ
يدوخ بنا المكان
...
فمتى ستجري الساقية ؟
ومتى ستأتي الباقية ؟
ومتى ... تحررنا النواعير التي
ظلت لحزنكَ باكيةْ ؟
ومتى تقول لها ارجعي
هي لم تكن بالمطمئنةِ
لم تكن بالراضية !
...
فمتى تدور الشمس
يبزغُ فجرُنا  ؟؟
ومتى تدورُ حياتُنا... ناعورُنا ..
ومتى سنحيا
أو سترجعُ
مطمئنةَ راضيةْ ؟
بل كم نبياً سوفَ يُبعَثُ من جديد ؟
ويبدو أن الشاعر يرفض الواقع، لما فيه من المخادعين وأهل النخاسة, فيتساءل عن كم صادق يحتاج للتغيير، فهو يطابق بين المتضادات ، بين الكذب والصدق، ولعل الكذب هو المتفوق في عصرنا، مما جعله ينتظر الخلاص ؛ ليحيا مطمئناً حالماً, فننراه يتساءل عن وقت التغيير بوصف النبي لابد عائداً؛ ليمضي في طريق النور؛ فالساقية والنواعير وحركتها تمثلان التغيير، ولعل الزمن كفيل بالمتغيرات , أما الشمس فتمثل الحياة الجديدة, فعندما تعود مرة أخرى بعد ليل دامس, ذلك ما يرمز به إلى الانطلاق والتحرر، ولعل بزوغ الفجر يمثل مرموزاً لحياة جديدة .
يبدو أنَّ الجديد لدى الشاعر هو الممازجة بين صورتين صورة الوطن وصورته التي تمثل أبناء الشعب, وهي مكملة للأولى؛ ليجسد بها قوة الوطن بأبنائه إذا ما دهمته قوى الشر, إذ لابد أن يعود من جديد بفعل الخيرين من أبنائه .
وقد وظف الألوان ، للمطابقة بينها على الرغم من اختلافها, فأخذت  مساحةً في مجموعة الشاعر الشعرية ومن بينها اللون الأحمر الذي يمثل دلالات عدة منها ما يمثل العنف والإجرام ومنه قوله :
لاتثريب عليك فإني
أعرفُ غضبَ السلطة
وقهر الشرطة
فالأحمر لون الهيجان
يعتصر عيون الثيران
...
الأحمر كفرٌ وبهتان,
وسيحرق كل الألوان.  
ومنه لون الحرية التي تمثل الحياة
لاتثريبَ عليك... الأحمرُ لونُ حياةٍ للحرية
لونٌ يفتحُ باباً نحو الفنِّ جسوراً
للأبدية .
فالحياة في الحرية وهو ما يفتح باباً للفن الخالد بوصفه يقوم على التضحية في سبيل الهدف المنشود .
أما اللون الاخضر فقد استعمله الشاعر للدلالة على انبلاج الأماني ، ولعل الخضرة تمثل الخصب والنماء , والشاعر أسمى قصيدته بـ (سؤال أخضر) إشارة منه إلى الأمل الندي , يقول :
يصعقني الأخضر, يربكني
أتخيَّل كلَّ ظنوني
وخيالي ينسابُ قصائد
فوق شجوني .
فالحرية لايمكن أن تتحقق من دون تضحية من أجل الخلاص من دهماء الشرور من أجل العيش في حياة خضراء بأمنها وأمانها .
ولعله في قصيدته (انتماء) يذكر لنا ثلاثة ألوان, منها: الأسود يجعله لون للأرض لأصالته، بينما الأبيض يشتا

 

تعليق عبر الفيس بوك