السبلة العمانية

 

حمدان بن سيف الضوياني (أبو سعود)

 

بنى العمانيون السبلة قديما ومنذ فترات طويلة، ولا أستطيع أن أحددها بزمن، لكن بلا شك هي تعود لما قبل الإسلام بقرون، وقد بنى العمانيون السبلة بما لها من بعد اجتماعي وتربوي وقبلي ووطني.

والسبلة العمانية سابقا كانت متواضعة في البناء والشكل ولا تتجاوز مساحتها من 30- 40 مترا، ولعل العديد منها لم يُبنى بالمواد الثابتة، لكن كان لها دور إيجابي وفاعل في المجتمع؛ إذ كانت تحتضن اللقاءات اليومية أو الحالات الطارئة أو لحل العديد من المسائل الاجتماعية التي تنشأ في المحلة أو القرية أو في المنطقة، ومن هنا أصبحت مرجعية للجميع، وإذا جاء الضيف نجد الجميع يهب مُرحِبًا به ويكرمه، وإذا داهمهم أمر ما سارع الجميع إلى السبلة ودارت الأحاديث والحوارات والمشاورات حول الوضع الناشيء، وبما جرت عليه العادة يترأس الجلسة الأكبر سنا وأكثرهم قدرة على معالجة الأوضاع.

أما اليوم فالسبلة تطورت في البناء والشكل في جدرانها وسقفها وأثاثها ومرافقها الخدمية وفي مساحتها في البناء، لكن في المقابل بقيت بعيدة كليا عن السبلة القديمة، وأصبحت وأمست مغلقة إلا للعزاء. ولعل في الفترة الأخيرة ظهرت لنا السبلة بمجلس العزاء وارتبطت السبلة بهذا الاسم الحزين، وبعد العزاء يُغلق المجلس ويُنتظر أن يموت أحد منا حتى تُفتح للعزاء!!

إذن مفهوم السبلة فُرِّغ من محتواه ومفهومه الاجتماعي والتربوي والوطني الإنساني، وقد تسابق الناس لبناء المجالس وأصبح من المجلس إلى المجلس مجلسا، وأصبحت مساحة البناء لهذه المجالس بآلاف الأمتار والتكلفة بمئات الألوف من الريالات، ومن الغريب أن هذه المجالس ذكورية، لأن النساء لا نصيب لها خارج ولاية مسقط ومطرح.

من المؤكد أني لستُ عند عودة السبلة القديمة التي تجاوزها الزمن لأن تلك الأبعاد التي قامت عليها تلك السبلة اليوم حلت محلها الحداثة والتطور والتقدم، ونحن لسنا اليوم بحاجة إلى فزعة القبيلة أو نصرتها، ولسنا بحاجة إلى حل نزاعات الرعي والاحتطاب والمياه، أو حل خلاف وقع بين قبيلة وأخرى، نحن بحاجة أن تكون السبلة اليوم مواكبة للعصر والحداثة والتطور والتقدم الذي طرأ على الوطن منذ عام 1970م إلى تنوير المجتمع بالفكر والثقافة، وأن نلتقي ولدينا العديد من القضايا الاجتماعية الوطنية التي يجب أن نناقشها وأن تتناولها السبلة الحديثة في تلك اللقاءات، مثل انتخابات مجلس الشورى والمجلس البلدي ومفاهيم وقيم ومبادئ المواطنة.

فلنعمل على عودة السبلة إلينا ونعود نحن إليها، في حلتها الجديدة لمواكبة العصر والتقدم، وتبقى عمان أرض الحياة والعطاء والعيش المشترك والمحبة والسلام، وهي الأنفع والأصلح لنا جميعا في تطورها وتقدمها.

تعليق عبر الفيس بوك