حمود بن علي الطوقي
أبلغني أحد الإخوة الثِّقات أنّ تعميمًا صدر من قبل البنك المركزي العُماني وعمّم على كافة البنوك المحلية بوقف التعامل فورا مع حسابات عدد من المشتبه بهم في قضية اختلاسات المال العام بوزارة التربية والتعليم.
وعلى خلفيّة هذه الاختلاسات تحرّكت الأجهزة الرقابية والقضائية للتحقيق في مجريات الموضوع الذي خرج من سيطرة زاوية بؤرة الوزارة وانتشر كلهيب النار وأصبح حديث المجالس والمنتديات والملتقيات وأصبح مادة دسمة للمعصرات.
ما يدور في هذا الحديث من التحليلات والتأويلات كيف تمكن هؤلاء المتورطون من اختلاس المال العام في الوزارة؟ والتي تعد واحدة من أكبر الأجهزة الإدارية للدولة، وكما هو معلوم أنّ التعاملات المالية في الأجهزة الحكومية من صرف يمر بقنوات وبتدقيق صارم حتى يتم صرف مبلغ بسيط، فكيف تمّ الالتفاف والتضليل لصرف مبالغ وهمية قدرت بعشرات الملايين؟ وكيف تمّ صرف هذه المبالغ وتحويلها من حسابات الوزارة إلى حسابات مشبوهة دون معرفة الأجهزة الرقابية؟
أسبوع مرّ على الإعلان الرسمي عن هذه الحادثة، وسبحان الله رائحة الفساد كريهة وما زالت واقعة هذه الحادثة صادمة وتقشعرّ لها الأبدان، استنكار شعبي ودعوات لمحاسبة المتورطين وفتح ملفات المسكوت عنها لتطهير المجتمع من زمرة الفاسدين. فلم تهدأ شبكات التواصل الاجتماعي من مناقشة هذه الواقعة الأليمة وشارك من شارك في إبداء الرأي وانتقد من انتقد وتفاعل من تفاعل حول الجرأة التي قادت هؤلاء لارتكاب هذه الجريمة البشعة لاختلاس المال العام. والتفاعل الواضح من قبل المواطنين الذين تابعوا مجريات هذه القضية عبر السوشيال ميديا عبروا عن رأيهم بكل صراحة داعين إلى أن تظهر السلطات القضائية أحكامها بكل شفافية ومصداقية وتعلن هذه الأحكام عبر وسائل الإعلام الرسمية حتى يتعرف المواطن على حقيقة ما جرى وكيف تمّ الكشف عن هذه التجاوزات.
لكن دعونا نطرح هذه التساؤلات: لماذا يقدم المسؤول على ارتكاب جريمة بشعة وينبش في المال العام؟ هل يعلم أنّ هذا "المال العام" هو حق لكل مواطن؟ كيف تجرأ وسوّلت له نفسه رمي القيم والمبادئ عرض الحائط والمساس بهذا المال؟ كيف لهذا المسؤول الذي ارتكب هذه الجريمة أن تغمض عينه وينام قرير العين مرتاح البال؟ تصوروا معي كيف هي حالته وهو يعلم في قرارة نفسه أنه ارتكب أبشع الجرائم، وينظر إلى أسرته وأطفاله يأكلون من مال مختلس. كيف يطعم أولاده من مال ليس من حقه وكيف سينظر إليه المجتمع؟
أسئلة كثيرة يجب أن تكون حاضرة أمام كل مسؤول منح الثقة لإدارة قاطرة العمل. من بين هذه الأسئلة كيف عليه أن يعمل بإخلاص من أجل خدمة الوطن والمواطن ويضع مصلحة الوطن في سلم الأولويات؟
فالمواطن الذي هو محور التنمية ومحور الارتكاز يريد أن يعيش في رفاهية وينعم بخيرات الوطن وهي خيرات وفيرة ويطلب الاستقرار وحياة كريمة وفرصة متاحة بأن ينعم بجودة التعليم لكي يستطيع أن يقود قاطرة التغيير ويحارب الفساد الذي أصبحت رائحته شائعة وكريهة ينفر منها الجميع. لقد أصبحت هذه الآفة الدخيلة تنخر مقوّمات الاقتصاد، وصفة ذميمة تؤثر على مجرى مخططات التنمية، فالفساد مهما كان نوعه ولونه هو مرفوض مرفوض، ويجب أن نعمل جميعا على محاربة الفساد والارتكاز إلى جودة العمل والإخلاص في العمل، ونترك القيل والقال ولا نلتفت للوراء ونضع في الاعتبار أننا نعيش في دولة مؤسسات وأنّ يد العدالة فوق الجميع.
أعود وأقول: أصبحت آفة الفساد تنخر في العظم، وتستهلك الطاقات الإنتاجية للأجيال، وتُعطي صورة لا نحتاجها عن أنفسنا، لذلك وجب محاربته وإعطاء الإعلام صلاحياته الطبيعية، كي يتواكب مع الواقع، ليفهم التحولات، وبالتالي ينقلها بأمانة إلى الناس، فالصحافة سُلطة، والإعلام مرآة.. نريد صوتنا منِّا وإلينا.