تجربتي مع "السندباد"

بُثينة بنت عبدالله الفورية

من المَشاهِد الجميلة التي أصبحتْ تُجمِّل أيامي هي التقدُّم الكبير الذي ألحظه عند الأشخاص الذين أُتابعهم في مواقع التواصل الاجتماعي، من ناحية الإقبال الرائع على شِراء الكتب ومتابعة القنوات والحسابات التي تهتمُّ بالقراءة، وانتشارها بهذه الدرجة يعني أن هنالك رغبة صادقة عند الكثير في أن يقرأ، في أن يتغيَّر، في أن يُحدِث تطورا في أسلوب حياته وحياة من حوله.

لا أحد يُنكر النَّقلة التي تُحدِثها القراءة للشخص الذي يقرأ أيًّا كان مجال قراءته وتثقيفه، المهم أنها تُحدِث تغييرا في تفكيره، وطريقة حديثه، وكتاباته، وشيئًا فشيئًا ينقلُ عدوى القراءة لمن حوله، فيشجِّعهم عليها، ويجعل القراءة هي الشغف الأكثر أهمية في حياتهم؛ كونها المنبع الخصب للتزوُّد من المعرفة.

مَضَى على تجربتي في القراءة للأطفال ثلاث سنوات مع مكتبة السندباد المتنقلة، مبادرة جريدة "الرؤية" للأطفال، اكتشفتُ فيها حبَّ أطفالنا للقراءة واقتناء الكتب، والفضول الذي يأخذهم للدخول للحافلة المتنقلة لمشاهدة الكتب والتصوير فيها. قرأتُ لمئات الأطفال في مختلف المناطق والمحافظات، وذلك ما أعطاني فرصة لأشاهد وألاحظ مشاهد مختلفة لأحكيها على هيئة نقاط:

- نعاني من حاجة ماسة لانتشار المكتبات في مناطقنا، وأعتقد أنَّ مكتبة كبيرة متكاملة في كل منطقة تسد ظمأ المتعطش والمتلهِّف للقراءة، فأن يقول لي الطفل "أستاذة، ليش ما عندنا مكتبات واجد؟ ما عندنا كما المنطقة الفلانية...؟"، هذا بحد ذاته رسالة يجب أن نَعيها كمجتمع، كحكومة كـمؤسسات. وحقيقة الأمر ليس الطفل وحده من يعاني هذا الشح والنقص للمكتبات والكتب، بل حتى الكبار، رغم تواجد المكتبات الإلكترونية في مواقع التواصل المختلفة، فما أجمل أن تنتشرُ المكتبات بقدر انتشار المراكز التجارية، فكما المراكز التجارية مؤثرة، المكتبات أكثر تأثيرا في رُقي المجتمعات وتقدمها! أو ما الضير في أن تتضمَّن هذه المراكز أماكن للقراءة أو مكتبة بها وسائل الترفيه والمتعة بجانب الاستفادة؟!

- هل تحب القراءة؟ سؤال سألته لمعظم الأطفال الذين صَادفتهم في زياراتي للمدارس.. إحدى الإجابات استوقفتني عندما قالت لي طفلة: "أحب القراءة، لكن أهلي ما يشجعوني"، هنا يجب أن نتوقف مع هذه الطفلة ومع أنفسنا نحن كأهالي، يجب أن نَغرس هذا الحب في الطفل حتى ينشأ مُحبًّا للقراءة، أعرف أن ثمة أطفالًا ينشأ عندهم هذا الحب دون توجيه من أهاليهم، لكن يُثبت الحب ويكبر عند الطفل متى ما وجد اليد التي تساعده وتشجعه وتأخذ بيده لأن يتطوَّر ويقرأ ويشارك ليصبح مُؤثِّرا واعيا بما يدور حوله.

- إحدى الملاحظات: كثرة الكتب في مكتبات المدارس، لكن قِلة هُم الأطفال الذين يُقبلون على القراءة، لماذا؟ لا ألوم أي معلم، ولا ألوم أي مدرسة على وجه التحديد، لكنَّني من هنا أبعث رسالة بأن كل مَدرسة وكل بيئة مدرسية قادرة على صُنع طلاب قرَّاء؛ من خلال خلق جوٍّ تنافسيٍّ ومسابقات قرائية، لا تهم قيمة الهدية التي ستُقدَّم للفائز بقدر ما يهم الحب والاهتمام الذي يتولَّد عند الطفل أو الطالب. وهذا يأتى أيضًا بمساعدة أولياء الأمور.

- ضعف القراءة عند عدد كبير عند الأطفال، هذه مشكلة صادفتُها عند عدد كبير من الأطفال، لكن أعتقد أنَّ هذه إشكالية سهلة تُحلُّ بتكثيف دروس القراءة كعمل دروس تقوية للقراءة للطلاب، وتفعيل دور المدارس كأنْ تُقيم مُلتقيات أو أنشطة لتحفز أولياء الأمور على الاهتمام بأطفالهم واستخدام جميع الوسائل التي تحاول القضاء على هذه المشكلة. وأنْ يَكُون لها انتشارٌ واسعٌ كحال مُسابقة التنمية المستدامة التي كان مُسمَّاها سابقا "مسابقة المحافظة على النظافة والبيئة المدرسية".

- لماذا مكتبة متنقلة في حِصص الاحتياطي؟ شدَّتني مبادرة بعض المدارس التي قُمت بزيارتها في إعداد رُفوف كتب مُتنقلة تُستخدم لاستغلال وقت الفراغ عند الطلاب في قراءة الكتب الموجودة في الرفوف وقراءتها ومناقشتها؛ ذلك ما يُسهم في سدِّ الثغرة والنقص الموجود في مناطقنا من شحِّ المكتبات العامة.. شكرا من هنا إليكم، خاصّة لمدرسة الحارث بن خالد بالعامرات "المُلهِمة".

- إحدى أمنيات الأطفال: أن يكون عام 2020 عام القراءة، (هل ذلك صعب؟)، لا أعتقد.

- فِكرة: قاعة دراسية مُفرغة من الطاولات والكراسي، مملوءَة بكتب، وشاشة تفاعلية يستخدمها الطفل للقراءة وتصفُّح القصص الإلكترونية، وألوان ورسومات، وألعاب ترفيهية تعليمية، وأغانِي أطفال قرائيَّة، وكُتب معلّقة من السقف حتى أسفل مع حروف، وعبارات تشجِّع الطالب: "أنا أقرأ"، "أنا قارئ"، "أنا موسوعة"، "أحب القراءة".. أشياء بسيطة تزرع الحب للقراءة.

يُصَادِف اليوم 2 أبريل اليوم العالم لكُتب الطفل، وهنا أستطيع أن أقول -من واقع تجربتي- عندما أقرأ لهم أشعر بروحي ترفرف كفراشة، أشعر أنني طِفلة، أعيش كل حدث بقلبي، كم علَّمتني كتب الطفل، كم هذَّبتني، كم ألهَمتني، وكم ساعدتَني لأعلِّم كلَّ طِفل ألقاه، وكل طفل يجتمع لحلقة القراءة التي أقيمها.

في هذا اليوم، أشكر كلَّ من آمن بي، ووثق بي، وقال لي "إنتِ قادرة"، رغم أنَّ تخصُّصي بعيد كل البعد عن أدب الطفل، لكنَّ التجربة خير أستاذ وموجِّه، وتحية كبيرة لكل مُهتم بأدب الطفل في العالم، من روَّاد، وكتَّاب، وحكواتيين، ورسامين، ومسرحيين، ودور نشر، ومؤسسات وحكومات.

تعليق عبر الفيس بوك