لميس الزين | سوريا

انطلَقت بي المركبة بسرعةِ البرق، وما هي إلا دقائق حتى توقفت وفتح الباب. خرجتُ متلفّتاً فوجدتُ نفسي وسطَ صحراءَ مقفرة وخيامٍ تلفحُها ريحٌ مغبرَّة. وإذا برجل بدا وكأنَّه قد خرجَ لتوّه من مسلسل الزير سالم. سألته." عفوا يا أخ، وين أنا ؟". فنظرَ إلى ملابسي شزراً. وقال:
-  من أنت أيها الدخيل؟ وما هذا الزَّي الطريف الذي ترتديه؟
نظرت إلى قميصي المخطَّط وبنطالي القصير وقلت:
-   الله يسامحك هاد الجينز اللي مو عاجك بخمسين دولار. ماركة هاد.
-   ما الدولار ذاك؟ والأهم، ما اسمك؟ ومن أي قبيلة أنت؟
- حبيب قلبي هاد الدولار عملة أميركا اللي اكتشفا كولومبوس الله لا يعطيه العافية. وأنا شادي مراسل مجلة "روجُكِ آنستي". أما من أي قبيلة الحقيقة ما بعرف .. ضاعت هويتي من أيام الحرب السورية.
-  مَن روجك هذا؟
-  روج يعني حمرة. تبع الشفايف، شو بك يا زلمة في حدا ما بيعرف الرّوج.
- تالله لم أفقه شيئا من الخطاريف التي تتفوَّه بها والألغاز التي ترطنها. لكن اعلم، أيّها الغريب إن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت محتاجاً كفيناك، وإن كنت عائذاً أجرناك. فقد حللتَ أهلاً، ووطِئتَ سهلاً.
-  تسلم يا زلمة، والله إنك ابن حلال. أنا ما بدي غير "واي فاي" لازم أحكي مع رئيس التّحرير ضروري.
-  وما الواي فاي ذاك. وأيّا يكن فلابدَّ من إطعامك أولاً. هلمَّ بنا لنذبح لك.
-  شو تدبح ما تدبح. أنا هربت من الدبح. الله وكيلك دبح الزّلمة عنّا صار متل كلمة مرحبا، تقول شيكاغو!.
-  ألست بجائع؟
-  بلى. بس ما بدي تتكلف، يعني سندويشة زيت وزعتر بيمشي الحال. وبالكتير مرتديللا.
-  وما المرتديللا هذه، وما السندويشة أصلا؟
- يا صديقي المرتديللا عبارة عن لحم معالج، مو معروف لا أصله ولا فصله. يقال، والله أعلم، إنّه مُخلَّفات الدجاج . . السندويشة بظن بلغتكم هي الشَّاطر والمشطور وما بينهما.
-  ويحك يا رجل. أوتسمي هذا طعاما. هل تريد فضحنا بين القبائل؟ لابدَّ من الذبح. أمَّا عن الواي فاي الذي تحتاجه، فلا علم لي به. لعل القعقاع بن عمرو التميمي يعرف عنه شيئا فهو فهَّامة العرب المجيد وشاعرنا التليد، وله باع في علوم النسب والفراسة والأدب.
ذهب غير بعيد، فإذا بكومبارس آخر من المسلسل نفسه قادم من بعيد يقول:
-  ما حاجتُك يا أخا العرب؟
-  أهلين عم قرقاع.
-  القعقاع أيها الأحمق.
- بدك ما تواخذني دخيلك، أنا شادي، صحفي من عام 2030، بالصدفة مرقت من زمنكم، وما فيني أرجع لزمني قبل 12 ساعة، لذلك إذا بتحب بعمل معك مقابلة مناخدلك صورة ظريفة وبتصير مشهور بالعصور الحديثة. وشو بيطلع من خاطرك يكتر خيرك.
-  لم أفهم فحوى طلبك فأنت ترطنُ رغم أنَّك ابن جلدتي. أيا يكن طلبك فهو مجاب، فليس من عاداتنا أن نرد للضيف حاجة.
 - حلو كتير. السؤال الأول. بما أنّنا مجلة تعنَى بالمرأة والفن والجمال، فهل لك أن تحدثَنا بداية عن المرأة في عصركم. يعني كيف تتزيَّن ؟ وأيُّ نوع من النساء يثيرُ إعجابَ الرجل الجاهلي؟.
 -  المرأة عندنا في السلْم؛ قائلة مفوّهة، خطيبة فصيحة، وشاعرة بليغة. وفي الحرب؛ فارسة مِقدامة تتقلَّد السيف وتتحزم الشجاعة، تقارعُ الخطوبَ، وتربّي الرجال على تحمُّل الأهوال، إن تزوَّجت، فهي لزوجها وطاءٌ، وإن غابَ فهي له غطاءٌ.
-  لا. لا. اسمح لي. هيك صارت رجل. وين الأنوثة والنعومة؟ وين الأناقة والرشاقة؟ وين المكياج والحديث الحلو، والمناكير والبوديكير؟ يعني السيدة إذا ما لفّت رجل على رجل وسحبت نفس أركيلة. ما ...
- ثكلتك أمك. وقُبِّحتُم من قوم خلعتُم لباسَ الحياء. وارتديتُم ثوبَ الخلاعة. قمْ، وانصرفْ من أمامي قبلَ أن أسلّطَ عليكَ صِبية القبيلة فيوسعونكَ ضرباً.
فخرجت لا ألوي على شيء .. أنشدُ مركبتي .