مدينة أفلاطون الذكية

 

فاطمة الحارثي

مُنذ قرون، وفي قرية بعيدة، حلم أعظم فيلسوف في التاريخ بالمدينة الذكية، وأسماها المدينة الفاضلة، وضع لها إستراتيجيات ونظاما وأقساما، وأحاطها بشبكة حماية من الجند المسخَّر لخدمة أمنها، مطبقا رؤاه في معتقد الصواب والخطأ.. وتعاقبت الأزمان لتقف المدينة الفاضلة أو الذكية عند عتبة الحضارات، وإن اختلفت الأسماء بعض الشيء يبقى الجوهر واحدًا، مدينة تسمو بالإنسان اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا وأحيانا دينيا، وتبقى الحياة في ديمومة النمو من أجل الحاضر والمستقبل.

ظلت الرغبة والنداء عبر القرون، والأسس لم تختلف، وإن اختلفت أسماء المطالبين والمنادين بها. إذ إنَّ أمرا بهذا الحجم والقدم لماذا لا يصمد ولا يكتمل؟! إذا نظرنا إلى ماهية الأهداف التي وضعوها، سنجد أن لا اختلاف فيها: المأكل، المسكن، الأمان للحاضر والمستقبل.. إذن ما سر الإخفاق؟!

الأمر بسيط، لكنه بعُمق البقاء، الطرق والأساليب التي يتم بها برمجة الأمور والتخطيط والتنفيذ، هنا مكمن الإخفاق، ليس أيا منهم على خطأ أو أن طريقته وأسلوبه كان خاطئا غير أن المجتمعات والأفراد الذين يُراد لهم بلوغ سلسلة المثل والقيم العليا ليسوا متشابهين؛ فالبعض يحكمه المنطق، والبعض الآخر يهيم على وجهه، وآخر تطغى مشاعره أو فكره على سلوكه، فتسقط المحاولات مدوية. جُبل الانسان على حب المال والسلطة، وهذا الحب في الغالب لا يجتمع مع السمو الفكري والمُثل العليا والقيم.

إذن، ما السبيل أو الحل لبلوغ المبتغى؟ وما الأسس المطلوب توافرها للتمثيل الأفضل لقادة هذا التوجه؟ وما التحديات القصيرة وطويلة المدى؟ والحلول الإستراتيجية لتحديات ما بعد تحقق الخطط والرغبات والحلم؟

وضع الخبراء والمهتمون بمفاهيم وأسس المدينة الذكية تصوُّرات وبرامج مختلفة، وأخضعوا بعض المدن للتطبيق الفعلي؛ مثل: كوريا الجنوبية ودولة الإمارات ولندن وبعض المدن الأوروبية، وأجمع الخبراء على صعوبة التطبيق على نطاق واسع؛ لذلك ارتأوا أن يقسموا النظام إلى نطاق مدن أو إقليم من أجل الاستجابة والسيطرة على كفاءة شبكة تقنية الاتصالات وتعزيز أمن النظام. اقتصاد ذكي، بيئة ذكية، مجتمع ذكي، كل شيء وجب أن يكون مبرمجًا بشبكة متطورة تسيطر على كل الأمور من أجل الاستخدام الأمثل للموارد، بمفهوم آخر النظام هو مزيج من الديمقراطية والاشتراكية.

يُؤمن القائمون على هذا النظام بأنَّه الحل الأمثل لحفظ الموارد والحد من استنزاف الحياة الطبيعية؛ مما يضمن لنا الاستمرار والبقاء للأجيال القادمة، ويحفظ التوازن البيئي والمناخي على الأرض. وفي المقابل، يرى المناهضون لهذا النظام تهديدا للخصوصية الشخصية والاجتماعية، تضاعف خطر قرصنة الشبكة العنكبوتية أي الابتزاز الإلكتروني، هيمنة الحكم التكنوقراطي، وزيادة الاعتماد على الكهرباء والطاقة والإِضرار ببنية مفهوم العوائد الاقتصادية.

----------------------------

رسالة:

المدن الإيكولوجية مرسومة على خارطة الكمال، وبين أيدينا السُّبل منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وبدون تطبيق هذا النهج الذي يوازن بين مختلف الطبائع والمفاهيم البشرية المتباينة، سيبقى حلم على قارعة الطريق ولن يبلغ أبعد مما بلغه في عهد أفلاطون. وأخذ عدم اكتراث الأغلبية بالمجريات للمضي قدما يُذكِّرنا بأنه لم تكن الأغلبية على سفينة نوح.

تعليق عبر الفيس بوك