"فمن عفا وأصلح فأجره على الله"

◄ عفت أسرة طيبة عن شيخ كريم بشفاعة سيد عظيم

علي بن سالم كفيتان

 

لا أدري من أين أبدأ؛ فالقصة مؤثرة جداً، لكنني سأحكي لكم هذه الأسبوع قصة العفو والإصلاح التي حدثت الأسبوع الماضي، وضجَّت بها مواقع التواصل الاجتماعي.. فقد كانتْ الحياة تسير على عفويتها المعتادة؛ فالشيخ عيسى رجل عرفتُه منذ فترة ليست بالقريبة، عندما كان نائبا للوالي في منطقتنا لعدة سنوات، ويذكره الجميع بخير، وهكذا درجت العادة في كل السلطات المحلية التي تقلدها الرجل قبل وبعد، إلا أنَّني لم أصدق خبر ذلك المساء الكئيب، عندما عمل الشيطان عملته، وسمعت عن فقدان رجل كريم آخر وهو الرائد عبدالشريف المرجان -رحمه الله وجعل مثواه الجنة- فحاولت جاهدا أن أربط الأحداث، لكنني فشلت؛ فالرجلان يتمتعان بصفات يصعب أن تجدها في آخرين، لكنه الشيطان لعنه الله.

لم يهرب أو يختفِ، بل ذهب إلى أقرب مركز للشرطة، وأبلغ عن الحادثة، وأرجع أمره إلى الله بعد هذا الابتلاء العظيم، وطوال فترات المحاكمة التي أخذت عدة سنوات، ظل الرجل صابرا محتسبا، وفي ذات الوقت ظلت الأسرة المفجوعة تتلقى سيلًا من الطلبات من مشايخ ووجهاء ورجال دولة، لمنح فرصة ولو بسيطة لمناقشة موضوع العفو، ولكن الظروف لم تكُن مُناسبة لأن الفقد كان كبيرا، ولا أحد يلوم هذه الأسرة الكريمة، التي ورغم إقفالها الباب، ظل الناس يذكرون محاسن المرحوم، وجميع أهله الذين كانت لهم صفحات مُشرقة في ظفار، فظل الأمل باقيًا في المعدن الطيب الأصيل، وأخذت القضية جميع درجات التقاضي، وفي النهاية، وعقب كل الاستئنافات قال القضاء كلمته.

وبعد ذلك، لم يبقَ إلا خيط العفو الذي سعى له من سعى طوال الأعوام الماضية، ولكن مع نَفَاذ الوقت كان الجميع يتطلع لمكرُمة عظيمة من أسرة كريمة، فهم وحدهم من بات يملك القرار -بعد الله- وفي خضم هذه الساعات العصيبة على الطرفين، كان لوجاهة صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد مكانًا في قلوب الأبناء والوالدة الكريمة، فقبلوا العفو وأكرموا "أبا تيمور"، وأي وجاهة أعظم من وجاهة آل سعيد في أرض الغبيراء؛ فهم حُكامها وسَادتها، ولا شك أنه لولا النفوس الرحيمة لرائد وأيمن وإخوانهم ووالدتهم الكريمة، لظل الأمر على ما هو عليه، فعفت أسرة طيبة عن شيخ كريم بشفاعة سيد عظيم.

كُلَّما عظمت الأمور، وضاقت الدنيا، تظل مصابيح الأمل.. إنها النفوس التي تعفو وتصفح، ولقد بينت أسرة المغفور له بإذن الله تعالى أنها سمت فوق الجراح، وأهدت عمرا جديدا لرجل طالما عمل الخير، فكان والده -رحمه الله- نعم السند والعون لحكومة صاحب الجلالة منذ انبلاج فجر النهضة المباركة، فقد شغل الكثير من المناصب التي أثبت من خلالها شجاعته وكرمه وثباته على الحق، وربما شفعت تلك الأيام وهذه المواقف العظيمة اليوم، فذكر الناس كرم وطيب أسرة الشيخ أحمد حور -رحمه الله- وأفضال المعشني الكرام، ومن خلفهم أعراف ظفار الراسخة التي دأبت على الجلوس للنقاش مهما عظم الأمر، فينهمر العفو كزخات المطر، وتسيل به الوديان فرحا إلى الناس، وكم سمعنا عن هبات العفو والصفح في هذه الأرض الطيبة، وأثبتت اليوم أسرة المرحوم عبدالشريف المرجان أنهم أهلٌ للعفو عندما امتلكوا المقدرة.

إذا كانت هناك حكايات ستروى، فإنها ستقول بأنَّ ظفار لا تزال تمتلك إرثا عرفيا يجب الحفاظ عليه، دعما للأمن والسلم الاجتماعي، ولا يجب النظر إليه على أنه عبارة عن جهد شخصي أو بحث عن الوجاهة، فلطالما أغلقت تلك الأعراف ملفات عصية، بعيدا عن مخافر الشرطة وأروقة المحاكم؛ فالمجتمع لا يزال لديه الالتزام الأخلاقي، وهذا ما ثبت اليوم في هذه القضية، وإذا ما كانت هناك من كلمات ستخلد الحدث فيجب أن يُمتدح صنيع من عفوا واصلحوا؛ فقد خلدت هذه الأسرة الكريمة موقفا إنسانيا عظيما لن ينساه أحد.

ونحن اليوم هنا، ومن خلال هذه النافذة الأسبوعية، نحمد الله اولاً ونتقدَّم بالشكر الجزيل لأسرة المغفور له بإذن الله تعالى عبدالشريف المرجان على عفوهم وصفحهم، وإلى من قدم وجاهته لهذا الصلح، ولمن سعى ليل نهار لإنجازه، وجعله رسالة أمن وسلام واستقرار لمجتمعنا العُماني المتماسك المتحاب.

alikafetan@gmail.com