روايات مموهة!

 

يوسف عوض العازمي

 

"الرافضون للعولمة رفضًا مُطلقًا باسم حماية الخصوصية الثقافية والهوية مصيرهم الاندثار. والتاركون أنفسهم للموج يحملهم كيفما شاء وأنى شاء مصيرهم الاندثار أيضًا". تركي الحمد.

في كل عصر وزمان تنطلق منصات تعبر عن فكر وثقافة واجتماعية هذا العصر، وتوثقه وتؤرخه ليبقى نبراسا" ودليلا" عنه للأجيال القادمة، ولكل أمة فكرها وثقافاتها واجتماعياتها التي تحكم لها أو تحكم عليها عبر التاريخ، ويستدل بها عليها، والثقافة بالذات وعبر بقاياها الموثقة قد تكون هي الدليل الأهم لهذا العصر أو الزمان، منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا.

في العصور الأولى من تاريخ البشرية، بدأت الكتابة المسمارية وتقدمت حتى وصلت الهيروغليفية، والمخطوطات، حتى وصل الاكتشاف لورق الكتان الذي أحدث تقدمًا"هائلا" إذ من خلاله استخرج الورق الذي مازال العالم يستخدمه ويحتاجه، رغم تقدم الأدوات في الكتابة من حيث استخدام التكنولوجيا في الكتابة والقراءة (عبر الحواسيب أو حتى الهاتف النقال) والحفظ والتوثيق، بل انتشرت ظاهرة الكتب بنسخها الإلكترونية (PDF كمثال) لكن تبقى الثقافة وإن تعددت الأدوات.

ومن مظاهر الثقافة في عصرنا هذا، فقد برزت بقوة ظاهرة الرواية، وهي فن أدبي يعتمد على السرد الخيالي النثري الطويل، عبر شخصيات على الورق يضعها المؤلف لتقوم بأحداث وظروف الرواية، وأخذت حيزا"مهما" من الاهتمام خاصة منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي، وهنا سأتحدث عن الرواية العربية التي حققت زخما" كبيرا" على مستوى العالم، وتجلى ذلك عندما حصل الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ عام 1988م على جائزة نوبل، مما أدى لتسليط الضوء بقوة على الإنتاج الأدبي الروائي لهذا المصري الكبير. وبعدها بسنوات وفي حدث مهم أنجذبت الأنظار نحو الجانب الشمالي للبحر المتوسط وبالتحديد في تركيا حيث حاز الروائي التركي "أورهان باموق" جائزة نوبل عام 2006م عند أعماله الروائية.

زاد الاهتمام بالرواية لأنها باب أدبي يستطيع فيه الروائي أو الكاتب نشر فكره وشرحه بإسهاب، وبمساحة واسعة تتيح له بث ما يريد إيصاله إن كان فكرة سياسية أو فكرية أو اجتماعية أو حتى كتابة ساخرة؛ وقد يصل الأمر إلى أن تحوي الرواية آيديولوجيا مُعينة كفكر سياسي أو فلسفة يُراد نشرها يراد بها خلق حالة جدلية مقصودة.

وفي السنوات الأخيرة لاحظ المهتمون بفن الرواية، ظهور شكل غير متعود عليه وهو الرواية التي تعتبر وكأنها سيرة ذاتية أو مذكرات لفلان من الروائيين، وبرزت بشدة إبان التسعينات من القرن الماضي، وكمثال وليس حصراً" ظهرت ثلاثية تركي الحمد " أطياف الأزقة المهجورة (العدامة _ الشميسي _ الكراديب) " حيث إنَّ الكثير اعتبر هذه الثلاثية سيرة ذاتية تتخفى وراء الرواية!

كذلك فعل السعودي الآخر غازي القصيبي في "شقة الحرية" تلك الرواية التي أثارت جدلاً"طويلا" وقت صدورها نظرا" لشخصية الكاتب المُثيرة للجدل، وكذلك لأنها أيضًا" "فهمت" عند الكثير بأنها سيرة ذاتية واقعية، لكنها تخفت وراء أدوات الرواية، وأنا أظنها كما ظن الكثيرون بأنها سيرة ذاتية بالفعل.

لماذا يتخفى الكاتب وراء ساتر الرواية عندما يفكر في نشر سيرته الذاتية؟

الأجوبة كثيرة، وكل جواب يردفه سؤال، لكن الأكيد أنَّ الظروف الاجتماعية و"أمانة المجالس"، وكثير من الأمور الشخصية التي قد يكون فيها بعض"من الإحراج الاجتماعي، هي من يقود الكاتب ليحول السيرة إلى رواية، خصوصًا" من ناحية موافقة فلان أو علان ممن كان لهم دور" مؤثر" في الرواية (أقصد السيرة الذاتية)، وبطبيعة الحال "الحال من بعضة" فالمجتمع السعودي لايختلف في أبجدياته عن المجتمع الكويتي أو الخليجي، فالعرف له مكانة لايستطيع عاقل"أن يتجاوزها، والقانون في حال تفعيله كذلك، لكني أعتقد جازماً" أنَّ العرف ومنه تنبثق العادات والتقاليد هي من يقود الكاتب لقرار تحويل السيرة الذاتية إلى رواية، يفهمها من يشاء، ولا يفهمها من يشاء، وبالنهاية هي رواية خيالية، وإن توافقت بعض أحداثها مع الواقع، لكنها رواية وخيال!

 

لذلك يبحث الكاتب لنفسه عن موضع البراءة، وبأن الأمر لايعدو كونه رواية، لاتحتمل أي احتمال واقعي، رغم أنَّ الكثيرين يعلمون بأن "عين الشمس لا تغطى بغربال"!

 

تعليق عبر الفيس بوك