السلحفاة التي سبقت الأرنب "تكملة الحكاية"

مسعود الحمداني

 

(يحكى أنَّ سلحفاة سبقت الأرنب...).

كلنا نتذكر تلك السلحفاة التي ثابرت وانتصرت، وغلبت غرور الأرنب الذي استغنى بتاريخه ومزاياه عن المُثابرة والكد والاجتهاد، فكانت النتيجة أنه هُزم في معركة وجودٍ قرأناها في حكايات الأطفال، وقصص العواجيز، وشاهدناها في أفلام الرسوم المتحركة، ولكننا لم نعرف بقية القصة، وما الذي حلّ بالسلحفاة والأرنب بعد ذلك؟!

فهذه الحكاية ما زالت حيّة، نعيش فصولها، ونعايش مسرحياتها، فالسلحفاة أصبحت أكثر غرورا وسرعة من ذي قبل، فهي تقطع الطريق دون أن يُعيقها أحد، تحمل الزاد والمؤن لأولادها، بينما ينام الأرنب تحت الشجرة مسترخياً، وغير عابئ بما يجري من حوله، يتغنّى بتاريخه، ويُدندن على أوتار سرعته التي كانت مثار إعجاب الناس جميعًا، والتي تباطأت فكانت هي ذاتها سبب هزيمته النكراء، فهو لا يدرك أن الحياة تتغيّر، وأنّ الظروف تتبدّل، وما كان بالأمس معك، لم يعد اليوم عندك، أرنبٌ يتخيّل، وسلحفاةٌ تعمل، وكلما زادت غطرسة الأرنب وتغاضيه عنها، زادت سرعة السلحفاة، وكبرت روح المُثابرة في داخلها.

السلحفاة اليوم تطاولت في البناء، وعظمت قيمتها، وازدادت قوتها وسطوتها، وبنت نفسها بيدها، وبيد غيرها، وجلبت لها من كل مكان خيلاً وعدة وعتادا، وحصّنت حدودها، وازدادت قوة وجبروتاً، وباتت تنظر إلى الأرنب نظرة ازدراءٍ وتعالٍ، وتمنّ عليه بما ليس لديه، وهو ينظر إليها نظرة استعطاف وحسرة، يتذكّر ما كان، وتدمع عينه كلما مرَّ على خاطره مُلكَه القديم، ودهره العتيد، وسطوته الباطشة، فإذا هو اليوم مُجرد أرنب في حفرة سحيقة، لا هَمّ له غير التكاثر، والأكل والنوم.

وتمرُ الأيام وتتجرأ السلحفاة على أرض الأرنب، وتطمع في ملكه، فتحشد الجيوش، وتشمّر عن ساعد الحرب، وتجمع الأموال، وتستدعي أبناءها وأبناء (الضفادع) من كل مكان، وتذهب إلى جحر الأرنب لتدكّه دكّاً، وتهدّه هداً، ويكتفي الأرنب بترديد عباراته القديمة: (رحم الله أجدادي الذي صالوا وجالوا، وعركوا البحر، واختبروا الأمم، وغزوا الأرض..)، بينما السلحفاة ومن عاونها مجدّين في الهدم، قائمين على الانتقام من الماضي الذي كشف حقيقتهم، غارزين أنيابهم في لحم التاريخ الذي لم يُنصفهم، محاولين تشويه كل ما من شأنه أن يذكّرهم بحقيقتهم الغائبة.

وبعد أن يشعر الأرنب بالخطر، وينتبه إلى أنَّها معركة وجود وكرامة، ينتفض من غفوته، ويستجمع شجاعته، ويرى أنَّ من الحكمة أن يُعيد الموازين إلى سابق عهدها، ويستعيد هيبته المفقودة، لذا فإنَّ عليه الذود عن أرضه ونفوذه، فالتاريخ الذي تغنّى به لن يُغنيه، والكتب التي ألفّها أجداده لن تُجديه، فالحياة لا تعترف بمن يقف باكيًا على الأطلال، والمجد لا ينظر لمن نام على الآمال، لذلك أمر الأرنب أتباعه، وأولاده بأن يحفروا خنادق هائلة لا تقدر السلاحف على اجتياحها، وأن يبنوا من ورائها حصوناً عظيمة لا يستطيع الأعداء اقتحامها، وبعد أن تأكل السلاحف الطُعم تدخل الخنادق ـ بكل غباء ـ بحثاً عن الأرانب، وهنا تقوم الأرانب باستجماع سرعتها المعهودة، وقدراتها المنسيّة، وقوتها المفقودة فتهيل التراب على تلك السلاحف الجائرة، فتغرقها في رمال لا تستطيع الخروج منها. وبذلك عاد التوازن إلى المدينة، فالسلاحف التي بقيت على قيد الحياة عرفت حجمها، وعادت إلى مخابئها، والأرانب خرجت من قمقمها الذي حبست نفسها فيه لسنواتٍ دون داعٍ، وتحملت خلالها الصداع والقلق وجرأة السلحفاة.

الحكاية تتكرر، ولابد أن تستقيم الأمور العوجاء ذات غضب، ولو طال الزمان بها، وسيتحوّل الأرنب إلى أسدٍ هصورٍ، بينما ستعود السلاحف إلى البحر لتقضي فيه بقية حياتها.

Samawat2004@live.com