مدارس القرن الحادي والعشرين


عرض وتقديم: أ. د. / أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم
أستاذ علم النفس التربوي بجامعة سوهاج -  مصر
تدخل الإنسانية عصر الثورة الصناعية الرابعة والتي جلبت معها سلسلة من التقنيات الذكية والتغييرات في الاقتصاد وسوق العمل وحياتنا ككل. ولأن التعليم هو الوسيلة الأساسية لإعداد الأطفال لمواجهة تحديات العصر الجديد، أصبح من الحتمي على مدارسنا أن تتطور في بنيتها ورؤيتها وطريقة عملها؛ فبالإضافة إلى المعرفة الفنية التقليدية في مجال تكنولوجيا المعلومات، فإن على مدارس القرن الحادي والعشرين أن تسعى إلى إكساب النشء معارف ومهارات جديدة، وسيكون من الضروري محو الأمية الرقمية، وتعزيز التفكير الإبداعي، والناقد، والتحليلي وحل المشكلات.
وحتى تصبح المدرسة "مدرسة القرن الحادي والعشرين" فإن ذلك يستلزم أكثر من مجرد توفير الوصول إلى التقنيات وبناء مرافق جديدة. فمن الممكن أن يكون لدى المدرسة أحدث التقنيات والمباني، لكنها مع ذلك تظل تعمل كمدرسة تقليدية. لكي تصبح المدرسة "مدرسة القرن الحادي والعشرين" فإن يعني أن تتبنى نموذجا جديدًا للتعليم يكتمل بمعتقدات وممارسات جديدة.
إلى أي مدى تفي مدارسنا بمتطلبات القرن الحادي والعشرين؟
في كتابه "مدارس القرن الحادي والعشرين: هل أنتم مستعدون؟ والذي نشرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2001)، اقترح براكاش ناير قائمة خصائص تحدد أهم هذه المتطلبات. هذه القائمة تخاطب القادة التربويين ومدراء المدارس والمهندسين المعماريين وغيرهم من المسؤولين عن تصميم مدرسة جديدة أو حتى أولئك المهتمين بإعادة تأهيل المدارس القائمة. تتضمن هذه القائمة (15) توجهًا في مجال التعليم وتكنولوجيا التعليم، كثير منها له ارتباط مباشر بمرافق المدرسة. ويمكن لمختلف أصحاب المصلحة استخدام هذه التوجهات كقائمة تحقق مرجعية لمعرفة إلى أي مدى تستوعب مرافق مدرستك هذه التوجهات. قد تكون هذه القائمة محبطة لبعض الأنظمة التعليمية التي تعاني نقصا في أساسيات المرافق التعليمية، ولكن لا أجد بدا من عرضها جميعا، وهي كما يلي:
توافر تكنولوجيا التعليم في جميع أنحاء المدرسة: يتقبل القادة التربويون اليوم فكرة أن جميع الأطفال من الصف الرابع وما بعده ينبغي أن يكونوا قادرين على الوصول إلى أجهزة الحاسب الآلي المحمولة والإنترنت متى احتاجوا إليها، وحيثما احتاجوا إليها. ويستلزم الوصول إلى التكنولوجيا أن تكون جاهزة للاستخدام متى احتيج إليها، وليس فقط للاستخدامات التي يمكن التنبؤ بها مقدمًا والمحصورة بفترة زمنية أو حصص دراسية محددة. ونظرًا لأنه من المستحيل ومن غير العملي وضع 30 جهاز كمبيوتر في كل غرفة صف، فمن المفترض أن يكون هناك بعض أجهزة كمبيوتر محمولة أو بعض أجهزة الحوسبة المحمولة الأخرى جاهزة للاستخدام في الفصل.
الشبكات اللاسلكية والوصول إلى إنترنت ذي نطاق عريض: ربما تكون الشبكات اللاسلكية هي الابتكار الوحيد الذي لا تستطيع المدارس أن تستغني عنه. هذا الابتكار يسر إدخال الإنترنت إلى المدارس وإلى غرف الفصول، دون عمل تعديلات كبيرة على المرافق والمباني داخل المدرسة.
التعليم والتعلم كثيف التكنولوجيا: لم تعد تكنولوجيا التعليم وسيلة للتعلم فحسب، فقد اكتشف المربون أخيرًا أن تكنولوجيا التعليم لا يمكنها فقط إعادة تعريف كيف ندرس، بل ما يجب تدريسه أيضًا. ونتج عن ذلك ظهور المزيد من التعلم القائم على المشاريع، والتعلم التعاوني، والتعلم ذي الطابع الشخصي.
التركيز على التعلم غير الرسمي: وفقًا لبعض القياسات، فإن حوالي 25٪ من إجمالي التعلم، وربما أقل، يحدث داخل الفصل الدراسي. نحن نعلم الآن أن ما يسمى بـ "المساحات غير المبرمجة" في المدارس مهمة للغاية لأنه في هذه "الزوايا والمساحات المهملة" يحدث الكثير من التنشئة الاجتماعية، والتفاعل، والتعلم الحقيقي. واليوم يخصص المهندسون المعماريون أماكن للاجتماعات غير الرسمية في تصميم المدرسة.
عدم التركيز على الفصول الدراسية: إن الفصول الدراسية بشكلها التقليدي لم تعد هي مركز للعملية التعليمية. ويجب إعادة تصميم الفصول الدراسية نفسها حتى تعمل بشكل جيد في بيئة يمكن أن تحل فيها المشروعات الموجهة للتعلم الذاتي، والمشاريع التعاونية، محل التدريس التقليدي.
المناطق العامة المشتركة: يجب أن تفتح المدارس أبوابها أمام المجتمع ككل. هناك العديد من المدارس الجديدة اليوم تستغني عن القاعات التقليدية، وصالات الألعاب الرياضية، والمكتبات المدرسية، وتقيم، بدلاً من ذلك، أنواعا من الشراكات مع مؤسسات المجتمع المحلي لإنشاء مناطق عامة مشتركة ومراكز إعلامية عالية الجودة.
تصميم أثاث مبتكر: هذا المجال بحاجة إلى تحسينات مبتكرة، حيث يمكن أن يكون تأثير الابتكار مباشرا وذا تأثير كبير. وبالفعل، بدأت طاولات الدراسة والأثاث الملائمة لأجهزة الحاسب، بما في ذلك المكاتب المريحة والكراسي، تصميم أثاث مبتكر، يحل محل الطاولات التقليدية والكراسي اللوحية ذات الذراعين التي توصف للأسف إنها "مدرسية". وتشمل خيارات الجلوس المرنة الكراسي التي تحتضن ظهر الطفل، وأماكن العمل الفردي. أكثر طرق تصميم الطاولات تأثيرًا هي تلك التي تسمح بمرونة الحركة والتعاون. يجب أن تكون المقاعد والكراسي قابلة للنقل بسهولة لاستيعاب أي سيناريو تعليمي، من العمل في مجموعات صغيرة إلى العمل المستقل.
ابتكار طلاب منتجات للأعمال: تتزايد أعداد الطلاب الشغوفين بالتقنية. وأخيرا اكتشف مؤسسات الأعمال أن الشراكة مع المدارس تتجاوز مجرد التواصل المجتمعي، ويمكن أن تساعدها فعليًا في تطوير أعمالها. بالنسبة للمدارس، فإن مثل هذه الشراكات، عندما تتم إدارتها جيدًا، توفر على المدارس نفقات كثيرة، وتوفر للطلاب تجربة عمل عملية، وربما فوائد مالية أيضا. وبتزايد أعداد الطلاب المشاركين في مشاريع حقيقية في داخل وخارج المدرسة، تصبح الحاجة ملحة لإعادة التفكير في المعدات واستخدامات الغرف وتكوينات المساحة في تصميم المدارس.
إحلال استوديوهات التعليم عن بعد محل معامل الكمبيوتر التقليدية: بعد انتشار أجهزة الكمبيوتر المحمولة وخدمات الانترنت اللاسلكية، أصبح من غير المجدي التحدث عن معامل الكمبيوتر بشكلها التقليدي، تلك المعامل المجهزة والمغلقة على أعداد من أجهزة الكمبيوتر! ويتمثل أحد الخيارات المقبولة في تحويل تلك المختبرات إلى استوديوهات للتعلم عن بعد، حيث يمكن للطلاب العمل فيها مع خبراء من خارج المدرسة، بل ومن مختلف أنحاء العالم. ويمكن أن تكون هذه الغرف بمثابة "مسارح" مجهزة تُمكِّن الطلاب من تقديم أعمالهم بشكل فردي و/ أو جماعي وفي فرق في بيئة احترافية.
مرافق الإنتاج عالية التقنية: حتى مع اعتماد المدارس خدمات انترنت لاسلكية، سيكون هناك زيادة في الطلب على التطبيقات ذات النطاق الترددي العالي مثل إنتاج الأفلام والفيديو، وصحافة البث، وتبادل كميات كبيرة من البيانات. ولأن المدراس ليست مجهزة للتعامل مع مثل هذه المهام الكثيفة، فسوف ستحتاج المدارس إلى مرافق إنتاج سلكية بالكامل تساعد الطلاب على هذه الأنواع من المشاريع. سيختلف تصميم هذه المرافق حسب المدرسة والبرنامج التعليمي الذي تقدمه.
فرق التدريس، والتجمع غير المعتمد على العمر الزمني، والمناهج متعددة التخصصات: هذا التوجه يتطلب مزيدًا من المرونة في أشكال الفصول الدراسية وأحجامها، بما في ذلك استخدام الأقسام المؤقتة، والجدران المتحركة، وغير ذلك.
قاعات الطعام في مقابل الكافتيريا: يجب أن تحل قاعات الطعام محل كافتيريا المدرسة. ويجب أن يتمتع الطلاب بتنوع أكبر في نظامهم الغذائي، وأن يكونوا قادرين على تناول الغداء في جدولهم الزمني وعند الجوع. قد يكون هذا ليس بالأمر السهل، لكنه تحدي يمكن التغلب عليه.
البرامج التعليمية للآباء والأمهات في المدارس: لكي تحدث التكنولوجيا فرقًا حقيقيًا في حياة الطلاب، من المهم أن يشعر الآباء بآثارها في المنزل وفي المجتمع. وتجد المدارس التي جربت ذلك أن إشراك أولياء الأمور وأفراد المجتمع المحلي من خلال برامج محو الأمية التكنولوجية في المدرسة وسيلة ممتازة لتحسين مشاركتهم في تعليم الأطفال. ويمكن أن يعمل مركز التعلم عن بعد بالمدرسة، كمركز تدريب لأولياء الأمور وأفراد المجتمع في المساء، وعندما لا تكون المدرسة في أوقات دوامها الرسمي.
التركيز على تعلم خدمة المجتمع: يجب أن تركز المدراس بدرجة كبيرة على تدريب الطلاب على القيام بمستوى معين من خدمة المجتمع كجزء من متطلبات التخرج، وتنظيم برامج للطلاب خارج المدرسة. هذا التوجه يستلزم توفير مساحة داخل المدارس لفترات زمنية مختلفة خلال اليوم. والبرمجة الخلاقة لهذه المساحات للطلاب ستكون تحديا مثيرا لكل من المهندسين المعماريين والمعلمين.
شراكات التعلم الجديدة مع الجامعات والمدارس الأخرى: تتيح الحوسبة الشاملة والتعليم عن بعد الآن إمكانية التواصل في الوقت الفعلي مع مجموعة متنوعة من الشركاء التعليميين. هناك بعض التجارب الآن حيث تدير المدارس بشكل روتيني مشاريع متعددة التخصصات كثيفة التكنولوجيا، يتم فيها دعوة طلاب من مختلف المناطق التعليمية للمشاركة.
وهكذا تتحول القلاع المعزولة التي اعتادت عليها مدرسيًا إلى نموذج لا تمثل فيه المدرسة مكانًا للتعلم فحسب، بل مدخلًا لتجربة تعلم مدى الحياة. إن تمكين الطلاب من المرور عبر هذا المدخل لن يساعدهم على التطور والنجاح فحسب، بل سيساعد أيضا المدارس نفسها على النجاح كمؤسسات.
وأخيرا، وكما قال أينشتاين، "يجب علينا أولاً "صياغة المشكلة". و"المشكلة" هي، ببساطة، أن مستقبل الاقتصاد، وربما حتى صحة النظم الإيكولوجية للكوكب تعتمد على تعليم الأجيال القادمة بطرق مختلفة تمامًا عن تلك التي تعلم بها كثير منا ... وهذا يحتم علينا اكتشاف طرق جديدة للتفكير في التعليم وأفضل الممارسات في المدارس التي تعد جميع الطلاب للتعلم والعمل والمواطنة في القرن الحادي والعشرين.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك