المغضوب عليهم

 

غازي الخالدي

محمد وخلفان صديقان منذ أيام الدراسة الجامعية جمعتهما مقاعد الدراسة لمدة خمس سنوات متتالية في كلية الإدارة، يتقاسمان الأحلام معًا ويخططان لمستقبلهما الوظيفي ما بعد الجامعة وكيف يقضيان مشوارا مهنياً ناجحًا بعد الحصول على الوظيفة. كلاهما لديه حب العمل والشغف والحماس في مجال دراستهما ذلك الشغف الذي ترجماه في مشروع تخرجهما بعنوان طرق تطوير وتحسين المؤسسات بغية المساهمة والمساعدة في التطوير ومد يد العون للمؤسسات الراغبة والساعية دوماً لتحسين أدائها. في أحد الأيام دار الحديث بين مُحمد وخلفان عن ضرورة التحلي بأخلاقيات المهنة أينما كانت الوظيفة واحترام الآخر مهما بلغت شدة الاختلاف في وجهات النظر فالهدف أبعد ما يكون إلى تحقيق الإنجاز وإكمال الأعمال واتفقا على أنَّ بيئة العمل الصالحة لها تأثير كبير على الموظف بخلاف بيئة العمل التي تسودها الفوضى فإنها تخلق جواً غير مُحفز للعمل. افترق الزميلان بعد الدراسة ليجمعهما القدر بعد سنوات مرة أخرى للعمل في نفس المؤسسة وفي نفس القسم ليسترجعا خططهما وطموحهما أثناء الدراسة وأحاديثهما في ممرات الجامعة وأكدا على ضرورة تطبيق ما تمت دراسته في الجامعة والحرص على الجد والاجتهاد في العمل. ابتدأ المشوار المهني مع الوظيفة ويتسابق محمد وخلفان لإثبات جدارتهما في القسم وتحقيق أهداف المؤسسة مع زملائهما الآخرين مصحوبين برغبة وحماس كبيرين للعمل والإنجاز بل تعدى إلى الإدلاء باقتراحاتهما التطويرية ورؤيتهما لمفهوم جودة العمل. بعد مُضي أسبوع على التحاقهما بالعمل اجتمع الموظفون الجدد برئيس المؤسسة الذي حثهم على مضضٍ على أهمية العمل الجماعي ونبذ الخلافات الشخصية وسرعة إنجاز الأعمال واستعرض أبرز مشاريع المؤسسة التي له الفضل في إكمالها، كما ذكر حصول المؤسسة على شهادات معتمدة في جودة الأداء المؤسسي وتطبيق مفهوم الجودة، وشدد في نهاية حديثه على نقطة مهمة جدًا ألا وهي أن يحوز الموظف على الرضا من المسؤول الأعلى أو من رئيس المؤسسة ولا تكون من ضمن "المغضوب عليهم" بغض النظر عن مسماك الوظيفي أو مهامك اليومية حيث إن كل ما في الأمر أن تكون "مرضي عنك". بداية العمل بالمؤسسة كانت صادمة لمحمد وخلفان حيث وبعد شهر واحد من العمل اكتشفا أن المؤسسة تنقسم إلى فئتين، الفئة الأولى وحسب تصنيف محمد هي الفئة "المرضي عنها" ويقودها رئيس المؤسسة أما الفئة الثانية وهي "المغضوب عليهم" فيقودها نائب رئيس المؤسسة وبعض المديرين. ما إن مضت السنة الأولى للزميلين إلا التحق كلاهما بالفئتين، محمد انضم للمرضي عنهم أما خلفان فكان من المغضوب عليهم. يشرح أحد العاملين في المؤسسة لمحمد وخلفان أنّ في هذه المؤسسة عندما تكون من المرضي عليهم فإنَّ كافة متطلباتك تجري بسلام وتحصل على ما تطمح إليه وأكثر، أما إذا كنت من المغضوب عليهم فأبشر بما أشبه بالحرب النفسية عليك وأقصائك وتهميشك وكل ما لا يخطر على بالك، تساءل الزميلان معًا عن السبب في وجود هذه "الشللية" ودوافعها فأجاب زميلهم قائلاً بأن وضع المؤسسة تغلب عليه المصالح الشخصية وشخصنة الأمور وقصر نظر المسؤولين عن المؤسسة وأضاف قائلاً إنَّ وضع المؤسسة لن يتحسن إلا برحيل من يقود هذين الفئتين. مضت الأيام والصديقان يعملان معاً لأهداف ومصالح طرفي النزاع في المؤسسة وأصبحا يعملان من أجل أهداف الفئتين وكل فئة تتصارع لتحقيق مصالح شخصية وتنفيذ خطط ومؤامرات رئيسي الفريقين. بعد عام واحد فقط أدرك المغضوب عليهم ومنهم خلفان أنّ الوضع أصبح صعباً للغاية فهو لا يذهب للعمل بل يذهب لتنفيذ أفكار وأهواء قائد فريقه وكيف يتغلب على الفريق الآخر وأن كل ما يطلبه يتم رفضه وأحياناً يجد نفسه حائرًا بين ترك وظيفته أو الاستمرار في هكذا وضع، بينما محمد وهو من المرضي عليهم أصبح يشق طريقه المهني بنجاح فلديه كل ما يطمح إليه وأكثر وتدرج في السلم الوظيفي وأصبح رئيس قسم كمكافأة له على حسن استماعه لتعليمات قائده وفي المقابل زميله خلفان بلا عمل ولا مسمى ولا تصرف له مكافآت تشجيعية أسوة بزملائه. الزميلان افترقا وكانت الأيام كفيلة بأن ترصد أنهما يكيدان ويخططان لتدمير بعضهما في بيئة عمل لا تعترف إلا بالشللية والمكايدة. من الشواهد على الصديقين أنهما استخدما موقع تويتر لشن هجمات وتغريدات مبطنة تقصد الطرف الآخر في المؤسسة وبات جموع المتابعين في تويتر على بينة بالمقصد من تلك التغريدات.

 

هذه القصة من مئات القصص اليومية في بيئات عمل مختلفة كانت ولا زالت لا تعترف بعمل الفريق الواحد ولا يوجد بها ميثاق العمل المهني الذي يحدد الإطار المهني والعلاقات بين الموظفين ويؤسس لبيئة عمل أكثر مهنية وأكثر صحية. إن ما يقف أمام الإنجاز وتحقيق التقدم والتطوير هو الالتفات لصغائر الأمور فمن انشغل بالصغائر لا يوجد لديه الوقت للعظائم. قصه أرويها ولعها من واقع الحياة اليومية بهدف التقليل أو حتى محاربة الانقسامات التي عادة ما تحدث في المؤسسات فلنكن دائماً خير من يعمل ولنكن يد بناء لوطننا وليس يدا تهدم الآخر.

تعليق عبر الفيس بوك