د. عبدالله باحجاج
هل إيجابيات الضريبة الانتقائية ستكون بعد ثلاثة أشهر مُباشرة – وهي الفترة المُحددة لتطبيق قانون الضريبة الانتقائية - أم ستكون بصورة تدريجية؟ هل ستكون انشغالات أطر وكوادر تحصيل هذه الضريبة على جباية الموارد المالية أم الغايات الكبرى الصحية والاجتماعية والإنسانية التي حددها بوضوح منطوق المرسوم السُّلطاني المُنشى لقانون هذه الضريبة الصادر يوم الأربعاء الماضي؟ لذلك نتساءل في هذا المقال عن المدة الزمنية للإيجابيات من جهة وعن مدى استعداد وجاهزية أطر وكوادر تحصيل هذه الضريبة؟ وهل تم تأمين كل منافذ التهرب الضريبي؟
من المُؤكد أنَّ البُعد المالي، كان الدافع وراء التوجه الخليجي العماني نحو فرض هذه الضريبة، لكنه – أي التوجه – يلتقي معه هنا، دوافع أخرى تتعاظم يومياً وبصورة أخطر، وتقف الموازنة السنوية للسلطنة غير قادرة على الالتزام بضخ السيولة المالية الكافية لفاتورة العلاج، من هنا كان المرسوم صريحًا عندما حدد مسارات إنفاق هذه الضريبة في مجال تعزيز الرعايتين الصحية والاجتماعية.
وقد تعامل مركز التواصل الاجتماعي الحكومي مع المرسوم وغاياته بمهنية عالية وذلك عندما أقدم في يوم صدور المرسوم، بالكشف عن مؤشرات الأمراض الخطيرة في بلادنا، وفتح الآفاق بمآلاتها المستقبلية المتصاعدة، كتدعيم المرسوم في توجهاته المالية والغائية، وهذه مهنية علينا الإشادة بها، لكن يُعاب عليها أن استدلالاتها قد جاءت فقط على البعد الصحي، مُتناسية الاستدلال بمآلات البعد الاجتماعي الذي يشهد بدوره مُنحنيات خطرة قبل وأثناء التحولات الاقتصادية الكبرى في بلادنا، فكيف بمآلاتها المستقبلية؟
وقد استعان المركز بإحصائية المسح الوطني الصحي للأمراض غير المُعدية وعوامل خطورتها الذي قامت به وزارة الصحة، فاختار المركز منها المصابين بالسمنة، فأوضح أنها تجاوزت نسبة (66 %) وكذلك ارتفاع نسبة المصابين بالسكري من عام 2008 إلى 2018، إلى أكثر من (3 %) كما كشف المركز نقلاً عن ذلك المصدر عن وجود أكثر من (7500) مريض سكري في السلطنة سنويًا.
وتلكم مؤشرات فعلاً مقلقة، وتحتم أموالا إضافية جديدة، من هنا تأتي أهمية الموارد المالية الجديدة الناتجة عن الضريبة الانتقائية، فكما فهمنا من المرسوم أن هذه الموارد المالية ستُعزز دعم القطاع الصحي وليس تقليل فاتورته من موازنة الدولة، كما تذهب إليه بعض كتابات الزملاء دون وعي بتباين المفهومين، فعملية التقليل تعني أن ميزانية الدولة ستُقلل من دعمها السنوي للقطاع الصحي بعد فرض هذه الضريبة، وسيتحول الدعم إلى جيوب المسببين لتلكم الأمراض، وهذا لن يستقيم مع منطوق المرسوم من جهة ولا مع تطور هذه الأمراض من جهة ثانية، والضريبة تهدف كذلك إلى تشجيع الإقلاع عن التدخين وتناول المشروبات الغازية، وهذا أيضًا هدف أصيل لا ينبغي تجاهله، ولو تحقق، فموارد هذه الضريبة ستقل كثيراً، مما يظهر لنا أنَّ الدعم الحكومي يظل مقدسا، بل وينبغي أن يكون متصاعدا في ظل احتمال النقص المتزايد في موارد هذه الضريبة.
لذلك ننظر للضريبة الانتقائية من منظورين، مالي، ويكمن في تعزيز فاتورة علاج تلك الأمراض، ووقائي حتى لا يقع ضحايا جدد لهذه الأمراض، لكن هل المال لوحده الحل المثالي لمواجهة هذه المخاطر؟ هذا التساؤل ينقلنا إلى معلومة أخطر أوردها المركز، وهي أن هناك (8،5%) من البالغين من عمر ( 18) سنة فأكثر يدخنون التبغ حاليًا، كما أنّ ( %38،6) من العُمانيين يتعرضون للتدخين السلبي سواء في المنزل أو مكان العمل.
ومن خلال تلكم المؤشرات، فإنَّ هناك مجموعة تساؤلات تطرح بإلحاح، أبرزها هل المال سيحد أو يُقلل من المعدل السنوي المخيف لمرضى السكري والسمنة؟ وهل رفع أسعار التبغ ومشتقاته بنسبة (%100) مثلاً سيُشجع الشباب والأطفال على الإقلاع عن التدخين، وعن تناول المشروبات الغازية أو التقليل منها؟ حتى تكون إجابتنا على هذه التساؤلات علمية أي بعيدًا عن الاجتهادات، نرى أنه لابد من إجراء دراسة سنوية لأنماط الاستهلاك المتعلقة بالمبيعات التي يشملها قانون الضريبة الانتقائية حتى يكون لدينا المعرفة الفعلية بالنتائج.
وللدواعي الوقائية، هناك خطوات مُهمة أخرى لابد أن تُتبع تزامنا مع تطبيق الضريبة الانتقائية، أبرزها خطوات إعلامية توعوية مُكثفة، وكذلك تنظيف البيئات المنتجة لظواهر التدخين، فالحاجة تحتم إعادة النظر في المنظومة القانونية للتبغ والمُؤثرات العقلية.. واستحداث مواد رادعة.. كأن يحظر تناول السيجار في الأمكنة العامة والعمومية والخاصة، بما فيها المدارس.. وحظر بيع كافة أنواع التبغ قُرب المدارس والمنازل والمساجد، كما هو الآن، وهذا الإجراء يحتمه ارتفاع نسبة المدخنين سنوياً في صفوف الشباب والأطفال، وتحتمه كذلك النسبة المُخيفة للعمانيين المدخنين عن طريق التعرض السلبي إلخ.
وإذا لم تعمل الجهات المعنية على استكمال منظومة الذرائع سالفة الذكر، فإنَّ خارطة تلكم الأمراض ستزداد رغم ارتفاع أسعار المواد الضارة بالصحة، فسيتم اللجوء إلى توفير المال بطرق ووسائل غير مشروعة، وستدخلنا في ظواهر اجتماعية وصحية أكثر خطرًا، لأننا لم نحصن البيئات لشبابنا وأطفالنا، وسيظهر أمامنا مشهد رفع الأسعار بصورة مئوية بهدف توفير المال فقط.
كما أنَّ البعد الاجتماعي المستهدف من هذه الضريبة، نجده قوياً كذلك، وهو لا ينبغي أن نحصره في مفهومه الضيق، أي الضمان الاجتماعي فقط، وإنما الانفتاح على الفئات الاجتماعية التي ستتضرر من عصر الضرائب والرسوم ورفع الدعم الحكومي عن الوقود وبعض الخدمات الأساسية، وسنجد الأغلبية مستهدفة، وتحتاج للدعم المالي، فهل (100) مليون ريال حصيلة هذه الضريبة المتوقعة ستكون كافية؟
إذن، حتى موعد تطبيق الضريبة الانتقائية – أي بعد ثلاثة أشهر – أمام الحكومة خطوات يفترض أنها قد اتخذتها، لنجاح المرسوم، إذ لا يمكن تضمين هذه الضريبة ببعدين أساسين، هما العلاج والإقلاع عن التدخين وتناول التبغ والمشروبات الغازية، بمعزل عن الواقع المعاش، وهذا سيكون أكبر التناقضات، لأنها ستعزل التوجهات الفوقية عن بيئتها التحتية خاصة في ضوء المؤشرات الخطيرة لانتشار الأمراض غير المعدية في بلادنا من جراء التبغ والمشروبات الغازية، فهل سيستمر هذا المشهد المضحك المبكي، وهو ما يُمكن مشاهدته في محلات بيع التبغ داخل الأحياء السكنية وقرب المدارس.. وبدعاية على واجهة المحلات مستفزة – قد تناولنها في ثلاثة مقالات ورقية سابقة – وبأساليب، يجب أن تجرم، كتقديم الدوخة الأولى بالمجان، ويقبل عليها الأطفال والشباب.. من هنا عنونا هذا المقال، بالتساؤل متى ستظهر إيجابيات الضريبة الانتقائية؟ والإجابة لابد أن تكون فورية، ومن منظور شمولي وليس مالي.
قد نتناول في مقال آخر، خطوة منح وزارة المالية، تعديل قيمة وأنواع السلع الانتقائية، وإمكانية بقرار وليس تشريع توسيع نطاق الضريبة الانتقائية، كأن تشمل الكماليات، ولماذا يستبعد مجلس الشورى من المُوافقة على المالية، وحصر الموافقة على مجلس الوزراء، فأين الشراكة المؤسساتية التي يحتمها عصر الجبايات؟ وهل هذا مُؤشر على بقاء صلاحيات المجلس المنتخب كما هي في مرحلة تحتم تطويرها لمواجهة مجموعة تحديات ناتجة عن عصر الجبايات؟