فنلندا .. آيسلندا... سنغافورة... أحمدك يا رب

 

غسان الشهابي

ما أن يجري الحديث عن أهمية التعليم وتطويره في بلداننا، حتى يجري ضرب الأمثال بالدول الأولى في التعليم في العالم على مدى السنوات الفائتة، من مثل كوريا الجنوبية وفنلندا وآيسلندا والسويد وسنغافورة، ويُريد المتحدثون أن تتأسى دولتي بهم في الجانب التعليمي حتى نغدو مثلهم في العلم والتطور والتكنولوجيا وطريقة التفكير.

هذا الكلام ليس صحيحاً على إطلاقه ولا خاطئاً على إطلاقه، فتلك الدول أولت التعليم مكانة عالية، يؤثر عن باني سنغافورة لي كوان يو قوله: إنَّ هناك ثلاث كلمات وراء تقدم بلاده، وهي: التعليم والتعليم والتعليم، بالطبع لم يكن أي نوع من التعليم، بل تعليماً متقدماً انتشل سنغافورة من كونها بلد فلاحين صغيرة وفقيرة وحقيرة، ليجعلها مضرب مثل لدول أغنى وأكبر وأقوى وأعرق.

ومن هنا أغدقت الحكومات الواعية على التعليم في الموازنات، وجعلت منه حجر الأساس للتنمية البشرية، وراهنت عليه، وأتت رهاناتها رابحة لأنها اتبعت خططاً طويلة المدى، طويلة النفس، مع مُراقبة النتائج الأولية، والتعديل الذي يجعل من الخُطط والبرامج التعليمية كائناً حياً ينمو ويتطور سنة بعد أخرى ليُواكب الجديد في العالم، ولن يتمكن من ذلك، ولكنه أبداً لا يتوقف مكانه... هذا جانب الصواب في الحديث عن التعليم في الدول المتقدمة.

أما جانب الخطأ في هذا الكلام، من وجهة نظري، أنه يقع في الخطأ الذي تقع فيه الدول النامية، المنبهرة بالتقدم الذي تصل إليه الدول ذات المقاعد في الصفوف الأولى من العالم في كل المجالات. ومرجع هذا الخطأ أنَّ المهتمين في قطاع ما أنه يفصلون هذا القطاع عمّا حوله، يفصلونه عن بيئته الحاضنة ويأتون به يتيماً في بلدانهم، ويبذلون الغالي والنفيس ليغدو نسخة لما كان عليه في بلاده، ولا يجنون في النهاية إلا قبض الريح، لأنَّ الصناعة أو التعليم أو الطب أو الرياضة أو أي قطاع إنما هو عملية متكاملة يدخل فيها المجتمع وثقافته وطريقة تفكيره والنظام السياسي الحاكم، والاستقرار، وشعور الشعب بالطمأنينة على يومه وغده، فأي اجتثاث لفكرة ما في بلد متقدمة وزرعها في بلد يخلو من تلك المكونات، سيشبه من يستزرع الفراولة في رمال الربع الخالي، أو من يسقي شجرة بلاستيكية يومياً على أمل أن تنمو وتثمر أيضاً.

تعليق عبر الفيس بوك