الخبر من كرسي الحلاق إلى الانترنت

فاطمة الحارثي   

العزوف عن الجرائد المقروءة ليس فقط حديث الساعة بل بات يؤرق الكثيرين خاصة المهتمين بالإرث الفكري المطبوع والفكر المقيد بالسجلات الورقية، ليس الأمر من باب عدم الثقة من كفاءة نظم التكنولوجيا الحديثة وهشاشة زوالها بل بسبب التصعيد الأمني العام بين دول العالم المهيمنة على تصنيف وحفظ هذه المصفوفات.

يرى المحافظون على الحياة الطبيعية أنّ استهلاك الورق يؤثر على البيئة وسلامة الغابات على الأرض ويرى آخرون أن ربط تاريخنا وثقافتنا بالموصلات الكهربائية والإعلام الإلكتروني غير المستقر قد يزول ويمحي أمام قراصنة الانترنت وحالات إخفاق عمل الكهرباء أو الشرائح الإلكترونية أو الأقمار الصناعية. وبين هذا وذاك وجد علماء الآثار الكثير من بقايا الحضارات المختلفة والبعض منها كانت وما زالت مبهمة ربما لأنها لم تستطع أن تقاوم متغيرات الحياة السريعة في وقتها أو بسبب الاختلاط بأخرى، تبقى الاحتمالات كثيرة ولكن ليست فاصلة.

منذ بضع عقود ظهرت الجرائد والمجلات في عمان وانهال عليها كل من أدرك الحرف والقراءة وقبل أن نعتاد عليها تداولت الأيدي ثقافة الصحف والمجلات الإلكترونية، ربما بسبب قصر الفترة الزمنية بين الحقبتين استطاعت الصحف الإلكترونية أن تطغى على الورقية في عمان، بالمقابل لا نرى ذات الأثر في الدول الأخرى التي أنشأت الصحف الورقية قبلنا بعقود ناهيك عن نسبة عدد السكان لديهم مقارنة بنا، وربما بسبب التفاوت الطبقي لديهم وقدرة البعض دون الآخر على الحصول على الثقافة الإلكترونية. وقد يلعب التنظيم في نشر الأخبار والعلوم المختلفة بين الصحف الإلكترونية والورقية دورا أيضا، فالمؤسسات العالمية تنظر إلى الموضوع على أسس تجارية فيها الربح أمر أساسي وأهم من سرعة توصيل الخبر ومن هذه الطرق شراء حصرية النشر- وهذا يخلق التنوع والإقبال أيضا على كل الجرائد لتخصص جريدة وتفردها بالأخبار عن الأخرى، وهذا يعطي تميّزا في محتوى ما تنشره. في المقابل نجد تكرار الأخبار في جرائدنا بالتالي يكتفي المستهلك بجريدة واحدة ليعرف كل الأحداث المهمة في البلاد. والبعض المهتم بمتابعة كتّاب الفكر والثقافة هم من قد يشترون جريدة أخرى وفي المنظور التجاري لا يمثل ذلك مصدر ربح وفير للصحف بسبب قلة العدد. 

وإن أخذنا جانب اهتمام القارئ عندنا نجد أنه متعدد مما يشكل أعدادا قليلة لكل نوع من أبواب الأخبار مثلا: عدد المهتمين بأخبار النجوم، عدد المهتمين بأخبار التكنولوجيا، عدد المهتمين بالأخبار السياسية، عدد المهتمين بالأخبار الثقافية... الخ وهذا يرهق العاملين والقائمين على الصحف سواء الورقية أو الإلكترونية.

 

نحن لا نصدر الكثير من الجرائد لكن هل هناك تنسيق فعلي بين صحفنا الأساسية؟ هل هناك بلورة فكرية وتوجه ثقافي لكل صحيفة؟ هل هناك طابع يميز أحداها عن الأخرى؟ ربما التميز هو أساس البقاء وليس التنافس. إن التوجه إلى الاعتماد على الجهات المختلفة لتمويل ودعم سير وبقاء الصحف مثل الإعلانات التجارية والدعم الحكومي أو من القطاعات المختلفة غير مرضي لأسباب كثيرة كقيد فكر ما للإبقاء على رضى جهة الدعم وشح المصادر ورهن بقاء الصحف ببقاء المصدر وهذا غير صحي لأسباب كثيرة أهمها عدم الاستقرار الاقتصادي لهذه الجهات الداعمة والتباين في مؤشرات الأسواق التجارية والتنافس غير المنظم للإعلانات التجارية لدينا (مثل دخول الأفراد في منظومة الإعلانات التجارية غير المرخصة عبر نوافذ التواصل الاجتماعي كتويتر والانستجرام والفيسبوك).

في اعتقادي الحل الأمثل لكل تحدٍ نواجهه هو إيجاد حل ذي بعد زمني طويل المدى والاثر وهذا لا يكون إلا بالتحليل والدراسة النمطية اللازمة دون الخروج عن الهدف الأساسي ولابد أن يكون التحليل بموضوعية وأسس علمية وبراهين. ربما إن بحثتا عن أسباب بقاء الصحف في دول العالم الأخرى ونظرنا إلى مستجدات العصر ومدى انتشار الثقافات المختلفة من حولنا قد نجد السُبل الأمثل للنهوض بصحفنا ليس فقط على المستوى المحلي بل وأيضًا العربي. كما وأنّ سن القوانين ووضع أنظمة واضحة أمر هام لحفظ حقوق جميع الأطراف ذات العلاقة.

إنّ الأجيال تتعاقب في سرعة كبيرة وكل من يرغب في البقاء لابد أن يزرع في هذه النشأة وجوده ويسقيهم أهميّته وحاجته له، فطبيعة الإنسان الحفاظ على ما اعتاد عليه واعتقد بأهميته وأثر فيه. منذ عهد كرسي الحلاق -الصحيفة المسموعة - إلى الصحف المقروءة والآن الصحف الإلكترونية يبقى الإنسان في سعي دائم إلى معرفة أخبار وأحوال محيطه كيفما كان السبيل لذلك.

توجيه الجهود نحو الأهداف والتركيز على المخرجات المرغوب فيها مع الإدراك التام بمعظم التحديات والصعوبات هو من أهم عوامل النجاح والبقاء بغض النظر عن وتيرة الوصول، وفي أثناء الرحلة لابد للقادة من احتواء الموافق المختلفة والنظر إلى مجمل الأحداث وأبعاد خطط التنفيذ لتدارك حياد عجلة الأداء.

 

رسالة

مواكبة التنوع العلمي والفكري وتوجيه الآخر نحو الغد هو عطاء، وخروج الأمر عن السيطرة يكون خطأ من القائم على التوجيه والتفرد في إصدار الأمر والأحكام في تغيب واضح للشورى والحوار وعدم أخذ العبرة من نجاح وفشل تجارب الغير.

من الخطأ طمس أصوات تنادي بديمومة البقاء من أجل مردود مؤقت.

تعليق عبر الفيس بوك