أمانة الله ديرة سود الأعياني

 

علي بن سالم كفيتان بيت سعيد

 

يظل الحديث ذا شجون عن صبر ومعاناة أهل عُمان في منتصف القرن الماضي، ولا بد أن نستلهم من تلك الدروس القاسية قوة وجلد ذلك الإنسان حيث لم نجد تدوينا لتلك المرحلة فلجأنا إلى الشعر كونه لسان العرب الذي وثقوا من خلاله حياتهم بكل تجلياتها فأدرجنا في مقال سابق قصيدة (الصبر جميل يهنا لكل من صبر) التي نالت صدى واسعا واستحسان الكثير من القراء. وفي هذه المقالة نتناول نصا شعريا بديعا نُظم في منتصف خمسينيات القرن الماضي للمغفور له بإذن الله الشاعر محمد بن بخيت هوطي الشحري المعروف بمحمد كحيلان من سكان مرباط. 

عُرف عن عاصمة ظفار القديمة (مرباط) أنها أنجبت العُلماء والشعراء والصانعين المهرة ولا تكاد تخلو مدونة تاريخية تتناول تاريخ جنوب الجزيرة العربية من ذكر مرباط كما ظلت حاضرة ظفار التاريخية صامدة بقوة أمام الغزاة والطامعين وسطر أهلها ملاحم للدفاع عن ترابها ولم يكتب لمن أتاها طامعا النصر بينما عُرف عن تجارها وعُلمائها وشعرائها العطاء الغزير ولا زالت الحارة القديمة تحكي تاريخ مرباط وشاعرنا محمد كحيلان غادرها مكرها نظرا لظروف العيش التي أصبحت صعبة مثله مثل الكثيرين الذين هاجروا إلى الخليج وإلى أفريقيا أو الهند وغيرها من أصقاع الدنيا. لكن الشاعر يترك اثرا أينما حل فالقريحة هي من توثق الأحداث بحلوها ومرها ويكاد يكون النص الشعري الذي وضعه شاعرنا من أبلغ النصوص وأصدقها تعبيرا ووصفا عمّا مرّ به أثناء طريق هجرته من مرباط إلى البصرة.

فقال في مقدمة قصيدته الرائعة (الفلك ساير مجرى والهواء ساير... وأنا مسيكين كيف بأفارق أوطاني) وهذا البيت يكفي للتعبير عن الحسرة التي انتابت الشاعر لفراقه موطنه ودخوله في لجة البحر مرغما ولكن الخيارات لم تعد واردة فخاض الرجل طريقه وأطلق قريحته لتبلغ عنانها بكلمات ظلت خالدة يغنيها الكثيرون ويجدون فيها حب الوطن فقال محمد كحيلان (خمسين مخباط ضربناها على مرباط ... شراعي معلي كيف ما حد لاقاني) وهنا يوصف طريقة وداع مسقط رأسه ثم وصف بعناية عُمان بجملها وثرائها الطبيعي وكرم أهلها فقد ودع سمحان ومر صوقرة فمصيرة ثم قال (شفنا الأشاخر كأن العود يتباخر .... وفرح فؤادي يوم نظرت جعلاني) والآن انقل لكم رائعة محمد كحيلان بأبياتها وكلماتها المعبرة كما نقلها لي المصدر.

أبدي بربي كريم الجود يا معبود// يا واسع الجود ياربي صلح شأني

انتخت ساجر وقالوا لي صبر باكر// إن باتشوف وتنظر بر سمحاني

الفلك ساير مجرى الهواء سابر// وأنا مسيكين كيف بأفارق أوطاني

جينا صلالة وشفنا الحصن والحافة// وبقيت ساهر حتى النوم ما جاني

............................................................

خمسين مخباط ضربناها على مرباط// شراعي معلي كيف ما حد لاقاني

شفنا الغواني وشفنا مرهفات الخد// من جملة الزين فيهم حلو الوشامي

لا شقت طيرة ولا هوري مع السيرة// وجزيت حائر كما من كان حسراني

ذا خو سعيد قال صبرك يا وسيع البال// إن خطفوا بك وعدو رأس الحناني

............................................................

الفلك ساير مجري بين الجزاير// وبترامى على الجوش ديماني

جينا مصيرة وقلنا ذا عسى خيرة// وبالسلامة الحي ينظر الثاني

يقن فؤادي ما شاف صوقره عادي// انتخ مدركة فيها سوق بدواني

شفنا الاشاخر كأن العود يتباخر// وفرح فؤادي يوم نظرت جعلاني

............................................................

قلبي تسلى طاف الجد وتعلى// بصور العفية كلا بات فرحاني

واللي مع الزين اه يا زاهي الخدين// ما هو كما الشين اللي يبات كسلاني

بندر مثمن بات القلب متأمن// من بعد ذاك الخوف والموج طوفاني

الزين غالي راعيه مسى سالي// ولا يبالي كل ساس وله باني

............................................................

نفسي علية ودوم في العشق مهوية// من جاء توده لو ما كان يسواني

سافرت من صور يوم ما شفت شي محصور// شوري تبدل وبدا لي نظر ثاني

من يأخذ الشين اللي زهوته في العين// يستاهل الهون بعد العز يهتاني

وحلفت ما بات في طيوي ولا قلهات// ولا قريات مسقط مقصدي عاني

............................................................

ما تجيب خالي الا سفرت العالي// إن دام حالي وإذا الرب خلاني

من با يعلي يقبض رؤوس الجبالي// ينتخ مسندم على الصدر والكاني    

جينا البواطن وفيها زاهي الموطن// يا عين شوفي وانظري ساحل عُماني

من أراد نظره يدخل بندر البصرة// شط الفرات يروي كل عطشاني              

............................................................

يوم جيت الكويت وسط السيح ما شي بيت// عند المقنطر والتنديل مكراني

فيهم قراوي وفيهم يافعي وافي// وحد كثيري وأنا قابض لساني

عندي عويلة من مرباط في السيرة// يتقاسموا الزاد كل حد نصف فنجاني

أهل الحماقة وأهل الضرب تفاقة// كلمة بكلمة ولا حد يحمل الثاني

وختمة باسمه اللي معتلي اسمه// وأثني صلاتي لمن هو نسل عدناني

 

رحم الله الشاعر محمد بن بخيت هوطي الشحري (محمد كحيلان)

......................................................................................................................................................................

وافاني بكلمات القصيدة: سعادة السفير سالم بن علي با يعقوب المشيخي.