عبد الله العليان
حضرت منذ عدة أيام، منتدى الرؤية الاقتصادي في دروته الثامنة والتي حملت عنوان "تعميق مسارات الشراكة بين القطاعين"، برعاية معالي د. علي بن مسعود السنيدي وزير التجارة والصناعة.
لا شك أنّ قضية طرح الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، يُفترض أن يأخذ الأولوية في هذه المرحلة في مسألة المشاركة في المشروعات الاقتصادية، في هذه الظروف، لما تمثله هذه الشراكة من تساند في دفع الاقتصادي الوطني إلى أكثر رحابة ونشاطاً في ظل تصاعد دور الشراكة الاقتصادية في عالم اليوم، وأصبح دور الدولة في جانبها الأهم، يتحدد في صياغة التشريعات والقوانين التي تساهم في دفع هذا الشراكة إلى آفاق أرحب وأشمل. والحقيقة أنّ هذا العصر، ونتيجة لظروف مختلفة اقتصادية وسياسية وبشرية، أصبحت الشراكات حاجة ملحة، وهذه بلا شك نتائجها ستكون إيجابية للدولة والقطاع الأهلي، فكلاهما محتاج للآخر، وأصبح التعاون خطوة إيجابية لدفع عجلة التنمية إلى مستويات إيجابية وبناءة، وهذا ما عبّر عنه المكرم حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية، والمشرف العام على المنتدى حول "إنّ الشراكة المأمولة بين القطاعين العام والخاص تساعد على تحقيق جملة من النتائج الإيجابية، تتجلى في تطبيق قواعد القطاع الخاص والاستفادة من القدرات الإدارية الرشيدة لدى هذا القطاع. وتعمل الشراكة على تحفيز نمو الناتج المحلي بما يسهم في تطوير الاقتصاد، وتنشيط قطاعات مساعدة مثل التمويل والتأمين والخدمات الاستشارية، ومن ثمّ تتحقق الاستدامة الاقتصادية، مشيرا إلى أنّ المناخ الاقتصادي في السلطنة مهيأ لتنفيذ مشاريع الشراكة في قطاع الطاقة المستدامة في ظل التوجه الحالي نحو الاستفادة من الموارد الطبيعية (كالشمس والرياح) لتوليد الطاقة بصورة مستدامة. ودعا الطائي إلى تبني نموذج عماني للشراكة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، مع تنامي الاهتمام بمخرجات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء".
هذا التوجه في مسألة الشراكة بين القطاعين، له إيجابياته، فكل قطاع محتاج للآخر كما أشرنا آنفاً، فالدولة في ظل الظروف الحالية، بعد انخفاض أسعار النفط، والاحتياجات والإسهامات تزداد وتيرتها في المجالات، في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية، وما تتطلبه من تنمية، ومن مصروفات... إلخ، وكذلك ازدادت مخرجات التعليم من الجامعات والكليات المتخصصة، وتتطلب مسألة التوظيف أن تأخذ في الحسبان، قد لا يستطيع القطاع الخاص تلبية كل هذه المخرجات، كما أنّ زيادة المدارس، وتوسع العمران، والحاجة إلى إقامة مشاريع كثيرة لتلبية احتياجات السكان في هذه المدن والقرى الجديدة، وما يتطلب من الدولة في إقامة مشاريع تكلفها مئات الملايين لبنية هذه المدن والقرى، أيضا القطاع الخاص يعاني، وربما لا تقل معاناته عن القطاع العام، وهذا صحيح؛ لأنّ هذا القطاع هو الطرف الأضعف من حيث القدرة المالية، بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة، وتقف المشاريع، وحتى تأخر مبالغ من الدولة عن دفعها لمشاريع تم إنجازها من القطاع الخاص كما نسمع، فكل هذه الظروف تتطلب التعاون والشراكة بينهما، بما يسهم في التخفيف من الكثير المشكلات التي جاءت بسبب الظروف الاقتصادية.
وقبل عقدين تقريباً اتجهت الدولة لتخصيص بعض القطاعات، وكان التوجه هو لمسايرة الكثير من الدول العالم في قضية التخصيص بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وانتصار الليبرالية الغربية في صراعها معه! لكن هذا التوجه، ربما واجه الكثير من الإشكالات القانونية وصلت إلى حد المحاكم من بعض الموظفين، إذ ربما لم تكن هناك الخطط المستوفية لكل الظروف التي ستنتج عن هذا التخصيص بالسرعة تلك، لكن بعض هذا التخصيص استمر في ممارسة مهامه مع بعض الإشكالات القليلة، لكننا نرى أنّ الشراكة بين القطاعين سيكون له المسار الإيجابي، مع وضع التشريعات التي تضمن التوازن بينهما، بحيث يتعاون الطرفان بشراكة اقتصادية تشريعية، تجعل منهما شريكين في المخاطرة والفائدة، وهذا بلا شك سيكون مرد وده ايجابياً، إذا ما تحقق هذا التوجه بصورة مخططة، ووفق استراتيجية يتم احتسابها تشريعياً وفائدتها بالتالي على الدولة والتخفيف من الأعباء التي تثقل كاهلها.
قد يقول البعض إنّ هذه التي تسمى شراكات أو تشاركية، بين قطاع الدولة والقطاع الخاص، في مجالات ومشاريع اقتصادية على وجه الخصوص، هو نفسه التخصيص الذي يتم تطبيقه وفق توجهات البنك الدولي، الذي يشكك البعض في نواياه وتوجهاته، وهو أيضا نتيجة من نتائج الفلسفة الليبرالية الغربية، التي تريد إقصاء دور الدولة من مهامها وعملها، ليتاح للشركات العابرة للقارات لكي تستحوذ على المشاريع، وإعادة الفقر والمشكلات إلى الدول الصغيرة، لكننا نرى أن الشراكة غير التخصيص، من حيث الأهداف والتوجهات، لأن إدارة القطاع الخاص لوحده لقطاعات كانت تديرها الدولة لم تحقق النجاح المأمول في بعض المشروعات القائمة لأسباب كثيرة؛ لأن القطاع العام كان له أسسه وتوجه ونظمه، ولم يعرفه القطاع الخاص، ووجد الأمر مختلفاً، والمشكلات قائمة، لكن الشراكة لها مسار آخر، لا يمكن مقارنته بالتخصيص.
وللحديث بقية،،