مكانة الأزهر الشريف.. وحقوق المرأة المسلوبة

عبيدلي العبيدلي

 

في خطوة أثارت ردود فعل متباينة انبرى المركز الإعلامي للأزهر الشريف - كما تناقلت وسائل الإعلام- للرد على حركة الجدل الواسعة التي أثارتها تصريحات شيخ الأزهر أحمد الطيب حول تعدد الزوجات. ومما جاء في رد المركز قوله " تابع (الأزهر) ما أثارته بعض المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الإعلامي حول حلقة الجمعة من برنامج (حديث شيخ الأزهر)، المذاع على الفضائية المصرية، وما تضمنته الحلقة من حديث حول مسألة (تعدد الزوجات)، (مضيفا) وشدد المركز على أنّ الإمام الأكبر لم يتطرق مطلقا إلى تحريم أو حظر تعدد الزوجات بل سبق له أن قال خلال كلمته أمام مؤتمر الإفتاء العالمي في 17 أكتوبر 2016 "أبادر بالقول إنني لا أدعو إلى تشريعات تلغي حق التعدد، بل أرفض أي تشريع يصدم أو يهدم تشريعات القرآن الكريم أو السنة المطهرة، أو يمسهما من قريب أو بعيد، وذلك كي أقطع الطريق على المزايدين والمتصيدين كلمة هنا أو هناك، يقطعونها عن سياقها؛ ليتربحوا بها ويتكسبوا من ورائها" (مؤكدا على) أنّ حديث شيخ الأزهر انصب على فوضى التعدد وتفسير الآية الكريمة المتعلقة بالموضوع، وكيف أنّها تقيد هذا التعدد بالعدل بين الزوجات، كما رد على الذين يعتبرون أنّ تعدد الزوجات هو الأصل".

ليست هذه المرة الأولى التي ينبري فيها شيخ الأزهر أحمد الطيب للخوض في موضوعات كانت مصنفة ضمن قائمة المحرمات. ففي مطلع شهر فبراير 2019، جاء في الكلمة التي ألقاها الطيب في مؤتمر "الأخوة الإنسانية" الذي عقد في أبوظبي قوله "المسيحيون في الشرق جزء من هذه الأمة وليسوا أقليّة.. ومواطنون كاملو الحقوق والواجبات، متمنيا عليهم أن يتخلّصوا من ثقافة مصطلح الأقلية، (مؤكدا على أنّ) المسيحية احتضنت الإسلام عندما كان دينا وليدًا حديثًا".

وفي السياق ذاته يمكن الإشارة إلى دور الأزهر في ثورة 1919 عندما انخرط، في المظاهرات التي أطلق شعارها سعد زغلول وحزب الوفد إبّان تلك الثورة وهو "يحيا الهلال مع الصليب". وأدّت فيما أدت إليه إفراج "السلطات البريطانية عن سعد زغلول وزملائه، والسماح لهم بالسفر لباريس".

ثلاثة استنتاجات مفصلية يمكن استخلاصها من تصريحات "الطيب" وردود الفعل التي صاحبتها، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • الأولى منها أنّ نافذة ضيقة قد فتحت أمام باب الاجتهاد الذي أغلقت أبوابه في أوائل القرن السادس الهجري، و"كان من أسباب ذلك: التعصب الذي وُجد في تلك العصور لمذاهب الأئمة، حتى قال البعض بالمنع من الخروج عن أقوال الأئمة المدونة في كتبهم وكتب أتباعهم". وبغض النظر عن المساحة الضيقة التي فتحتها تلك الطاقة، لكنها تبقى خطوة في الاتجاه الصحيح، متى ما تمّت رعايتها والدفاع عنها، حيث إنها تنطلق في فترة مهمة من مراحل تطور العقل العربي.
  • أمّا الثانية، فهي أنّ الأزهر بدأ يستعيد عافيته، التي فقد نسبة عالية منها خلال العقود السبعة الماضية، لأسباب ليس هنا مجال الخوض فيها. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التعافي إيجابيًا على حقول أخرى، في مقدمتها حالة الركود الفكري والطقوس البالية التي باتت تسيطر عليها، تحت مبررات، تنسب جورا وبهتانا للأديان السماوية، ومن بينها الإسلام. وبالتالي ففي وسع الأزهر، متى ما استمر تمسكه بمثل هذه الشجاعة الفكرية أن يترك بصمات قوية مؤثرة تنفض عن الفكر الإسلامي ما يعاني منه خلال العقود الأخيرة من تاريخه.
  • وتقودنا الثالثة نحو أوضاع المرأة في البلاد الإسلامية، وفي القلب منها البلدان العربية، حيث تعاني المرأة المسلمة، بفضل التشويهات التي جلبتها الاجتهادات الخاطئة من مصادرات حقوق أباحها لها الإسلام، ليس هنا مجال سردها. لكن ما جاء في اجتهاد شيخ الأزهر محطة تستحق التوقف عندها، ومعالجة ما طرحته بشكل متزن، بعيدا عن الانفعال، ودون الالتفات نحو ردود الفعل التي وصفها الطيب، وهو محق في ذلك، بـ "الموتورة". ولربما يطلق هذا الاتجاه العنان أمام مبادرات أخرى تصب جميعها في صالح الدعوات المنادية بإنصاف المرأة، والكف عن استمراء ضيمها تحت مبررات، أثبت تطور البشرية، أنّها واهية، ولا تستند إلى نص ديني.

ولربما المصادفة وحدها، هي التي زامنت بين اجتهادات شيخ الأزهر، وما جاء في تقرير صدر مؤخرًا عن البنك الدولي بعنوان "المرأة والأعمال والقانون" الذي يتخذ من واشنطن مقرا له يؤكد أنه "لا يزال عدد الدول التي تمنح قوانينها الرجال والنساء حقوقا اقتصادية متساوية لا يتجاوز ست دول.... وأنّ التكافؤ التام، يحدث فقط في ست دول، من بين 187 دولة". ويستقي التقرير فيما توصل إليه بشأن عدم المساواة التي تعاني منها المرأة من بيانات تغطي عشر سنوات من البحث تشمل "عدم المساواة القانونية والاقتصادية، وعوامل أخرى مثل حرية التنقل والأمومة، والعنف المنزلي، والحق في إدارة الأصول وغيرها".

تثير هذه التصريحات "الأزهرية"، والنتائج التي توصلت لها تلك الدراسة الدولية مجموعة من القضايا التي تتعلق بالمرأة والتي تستحق التوقف عندها، من بين الأهم بينها ما يلي:

  1. أنّ بصيص أمل بدأ يلوح في الأفق من أجل نهضة فكرية، بحاجة إلى الإمساك به، وعد التفريط فيه، أو التقليل من شأنه في إحداث التحولات الفكرية التي تهز جدران قصر الجمود الفكري الذي يخيم على سلوك الإنسان العربي.
  2. أنّ حقوق المرأة ما تزال منهكة، حتى في بلدان تدعي أنّها قطعت شوطا طويلا في اتجاه إنصاف المرأة، ومساعدتها على نيل حقوقها، ومن ثمّ فما يزال أمام المجتمع الإنساني مشوارا طويلا عليه السير فيه، إن صدقت ادعاءاته بشأن ذلك الإنصاف.
  3. أنّ أنانية الرجل، وافتقاده للإنسانية التي يحتاجها في مجال إنصاف المرأة، قبل أي شيء آخر، يليه خنوع المرأة ورضوخها لواقع ينتهك حقوقها في كل لحظة، هما عاملان يتكاملان من أجل إبقاء المرأة في الأوضاع التي تعيشها، الأمر الذي يجعل مما حققته الحركة النسوية، حتى يومنا هذا، لا يعدو كونه حقوقا تجميلية، تخفي وراءها صورة بشعة تكرس استغلال المرأة، وواقعها الذي تعاني منه.

في اختصار ينفض الأزهر الغبار عن جُبّته كي يستعيد مكانته التي يستحقها، وتتطلع المرأة نحو الإنسان العربي كي تنال المكانة الراقية التي تمكنها من استعادة حقوقها. وما دون ذلك يبقى قضايا لا تستحق التوقف عندها.