مبدأ عدم رجعية القوانين

 

 

د. طه زهران

تتحدَّث المادة الثالثة من قانون المعاملات المدنية العُماني عن مبدأ قانونى ثابت فى جميع التشريعات الحديثة، وهو مبدأ عدم رجعية القوانين، أى عدم جواز أن يطبق القانون بأثر رجعى على المسائل والوقائع التى حدثت واستقرت قبل صدور القانون؛ فجاء نص هذه المادة على أنه: "لا يسري هذا القانون على ما سبقه من وقائع، إلا إذا وجد نص قانوني صريح يقضي بذلك". وهذا أيضاً هو ما أكدت عليه المادة (12) من قانون الجزاء الحالي بالنص على أن: "يعاقب على الجريمة طبقاً للقانون النافذ وقت ارتكابها،ويعتد في تحديدة بالوقت الذي تم فيه فعل من الأفعال المكونة للجريمة دون النظر إلى وقت تحقيق نتائجها".

وهذه القاعدة تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد العدالة؛ فالأصل أن يتم تطبيق القانون بأثر فورى من وقت صدورة دون أن يمس الوقائع السابقة عليه فليس من العدل أن يحاكم شخص بموجب قانون لم يكن موجوداً وقت ارتكاب الواقعة أو إبرام التصرف. بل يتعين أن تطبق أحكام القانون المعمول به فى ذلك الوقت على تلك الواقعة.

وفى ذلك استقرار للمراكز القانونية، والشعور بالطواعية فى تطبيق القانون، والالتزام بأحكامه؛ فالقاعدة إذن: أن يطبق القانون بأثر فورى بمجرد صدوره، وأنه لا يطبق بأثر رجعى على ما حدث من وقائع سابقة على تاريخ صدوره.

على أن تلك القاعدة قد تَرِد عليها استثناءات يقتضيها حسن العدالة ورعاية مصالح العباد وذلك كالآتى:

- الاستثناء الأول: ورود النص فى القانون ذاته بشكل صريح على الأثر الرجعى: كما لو جاء النص القانونى مقررا وجوب تطبيقه اعتباراً من تاريخ معين سابق على صدور القانون، وذلك لتدارك فجوة تشريعية قد تحدث فى تلك الحالة، أو لمواءمة ظروف الحال، كما لو صدر قانون ينظم أحكام الشركات بشكل مغاير يجعل من الإجراءات أكثر يسراً، ويساعد فى دفع عجلة الاستثمار والنمو الاقتصادى؛ فيكون من الأصوب فى تلك الحالة بسط النطاق الزمانى لذلك القانون ليطبق بأثر رجعى، فتستفيد منه الشركات القائمة والتى نشأت فى ظل القانون القديم وهكذا.

ولكن يجب أن يراعى هنا وجوب النص الصريح على ذلك الأثر الرجعى؛ فلا يمكن استنباطه من دلالات النص بشكل ضمنى.

- الاستثناء الثانى: صدور قانون أصلح للمتهم: كما لو تم ارتكاب جريمة جزائية فى ظل قانون معين، ثم صدر قانون جديد يخفف من عقوبة تلك الجريمة، أو يمنحها شروطا أو أوصافا أصلح للمتهم، أو يضيف ضمانة أو إجراءً يمكن أن يفيد المتهم، أو يمنحه فرصاً أفضل فى الحصول على مركز قانونى أصلح بالنسبة له.

ويُلَاحظ أنه فى تلك الحالة لا يحتاج الأمر إلى النص الصريح فى القانون، بل تطبق قاعدة القانون الأصلح للمتهم بقوة القانون دون حاجة للنص عليها، ويمكن للمتهم التمسك بتلك القاعدة فى جميع مراحل ودرجات التقاضى. وبالنظر للمفهوم العكسى لقاعدة القانون الأصلح للمتهم، فإنه لو صدر القانون الجديد بشكل أسوأ للمتهم وليس أصلح، كأن كانت العقوبة أكثر تغليظاً، أو تم فرض إجراءات أكثر صعوبة، أو أقل ضماناً للمتهم، فيكون من حق المتهم فى تلك الحالة أيضاً أن يتمسك بالمفهوم العكسى للقاعدة، وهو إعمال الأثر الفورى للقانون الجديد، فيستفيد المتهم من القانون الأصلح، وهو فى تلك الحالة القانون القديم، الذى نشأت الجريمة فى ظله فيظل يطبق عليه حتى انهاء المحاكمة بصدور حكم بات فيها.

وتطبيقاً لذلك، فقد سبق وذكرنا في مقال سابق كيف أصبحت جرائم الشيكات من بين الجرائم المقيدة بشكوى المضرور في قانون الجزاء الجديد، وبذلك يكون هذا القانون أصلح للمتهم فيمكن تطبيقه بأثر فوري على كافة جرائم الشيكات السابقة على صدوره شريطة أن تكون المحاكمة بشأنها لا تزال قائمة ولم يصدر بشأنها حكم نهائي بات.

 

* محامٍ بالمحكمة العليا - مكتب سعيد المعشني للمحاماة

تعليق عبر الفيس بوك