عبد الله العليان
عندما ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، وقبلها الثورة المعلوماتية الهائلة التي اجتازت آفاق الإنسانية، كتب البعض أنَّ عالم الكتاب الورقي، في طريقه إلى الانحسار، وستحل محله الوسائط الإلكترونية، بمختلف طرقها وأساليبها لكونها البديل الأقوى لاكتساب الجمهور، لكن الأيام أكدت عكس هذا التوقع؛ حيث برز أن الكتاب الورقي، سيظل حياً وفاعلاً، وقابليته تزداد مع ازدياد هذه الوسائط الاجتماعية والإعلامية الكبيرة، صحيح أنَّ عالم هذه الوسائط الإلكترونية في عالم اليوم، له إقبال كبير لاشك، لكنه ظل في حدود التفاعل والتواصل والرسائل الصغيرة وفي إطارها المعروف الذي لا شك جذب الشباب لوسائطها الضخمة.
لكن عالم الكتاب والدراسات، أعيدت له المكانة اللائقة، بما يُحدثه من جاذبية ورغبة لدى القراء، كما كان الآن في جاذبيته، وما سيكون عليه مستقبلاً في رأيي. وعندما دخلت أرض المعارض منذ عدة أيام لمعرض الكتاب قاصداً، ومنذ انطلاقته منذ 24 عاماً ولم تفتنِ دورة من دوراته، رغم بُعد المسافة ورغم الظروف المعتادة للحياة اليومية، وجدت أنَّ الإقبال أصبح كبيراً ومتزايداً عن الأعوام الماضية مع التفاعل من كل الأعمار مع هذا المعرض ونشاطاته المختلفة، ومع التواجد الكبير للمؤلفين العمانيين في كل التخصصات والمجالات والرغبات، وهذا بلا شك يُبرهن على أنَّ الكتاب لا يزال له تلك القابلية التي لم تقصها الوسائل التي تنبأ بها البعض بأنها ستكون قاصمة الظهر للكتاب الورقي، وعند العدد الأكبر من النُخب الفكرية والثقافية، وهذه لافتة تستحق الاهتمام والتشجيع المستمر للمبدعين الذين أصبحوا متواجدين من خلال مؤلفاتهم في الكثير من دور النشر العربية والعمانية، ولذلك فإنَّ هذا مؤشر على أن الإبداع العماني في الجيل الجديد، والجيل الذي سبقه، أصبح يلفت الجميع في الوطن العربي من خلال تواجده وحضوره المكثف، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، ألا معرفة دون قراءة، ولا تقدم دون علم، ولا علم دون أن يكون الكتاب حاضراً في المُقدمة قبل أي أحاديث أخرى تحرك الساكن الفكري والثقافي.
الملاحظة الأولى في معرض هذا العام، التي لفتت انتباهي، النشاطات الثقافية المختلفة، وقد كانت متواجدة الأعوام الماضية بقوة، لكن أرى أن هذا العام زادت وتيرة الفعاليات، مع زيادة العارضين من دور النشر من البلاد العربية، وهذه دلالة واضحة على الإقبال على الكتاب، وهذه معادلة لا يتم تقييمها إلا بهذه الطريقة، صحيح أن بعض الناشرين بالمعرض يتحدثون عن ضعف الإقبال على الكتاب، وهذه أيضًا يمكن الرد عليها بسهولة، فليس كل المعروضات ستلق الإقبال، بالمقارنة مع دور نشر معروفة، ولها رواد وزبائن، وبها مؤلفات جديرة بالمتابعة والاهتمام، صحيح أنَّ الرغبات والميول الثقافية والفكرية، تتعدد وتتنوع بين رواد المعرض الذين بلا شك تختلف أفكارهم واتجاهاتهم الثقافية، لما هو متواجد من كتب ودراسات، ومن هنا أرى أنَّ الكتاب تتقدم أهميته، مع عمق وإبداع الكاتب نفسه، وليس هذا محصور في دور نشر بعينها، لكن الأبرز في معرض هذا العام، تواجد دور النشر والمكتبات العُمانية بصورة كبيرة ومتزايدة عن الأعوام الماضية مع الإقبال الكبير على معروضاتها.
الملاحظة الثانية التي سمعتها قبل دخولي المعرض وبعد، قضية زيادة أسعار الكتب بشكل لافت مع عدم وجود سعر مُحدد مكتوب عند الكثير من دور النشر، أو أنهم يتجاهلون وضع أسعار محددة، ولا ندري سبب هذا الارتفاع، هل أن دور النشر المشاركة، وجدت قيمة المساحة الممنوحة للعرض، مرتفعة؟ وهل هي السبب الوحيد في الارتفاع المتزايد في كل عام؟ أم أن الفنادق والشقق التي يُقيم فيها الناشرون من خارج السلطنة قيمتها مرتفعة وهي ساهمت في هذه الزيادات في الأسعار؟
الحقيقة أنَّ الكتاب بلا شك هو أكثر المبيعات ضعفاً في المردود، وأن دور النشر تُعاني من قيمة التنقل والأسفار، والسكن إلخ: وهذا ربما ساهم في زيادة قيمة الكتاب في بعض المعارض، لكن ما نؤده هو أن يكون هناك تخفيض معقول، تشجيعاً للكتاب وتوزيعه بحيث تكون قيمة أماكن العرض، لا يتم تحديدها مقارنة بالمعروضات التجارية الأخرى، فلا يُمكن أن نقارن هذا بذاك من حيث المردود المادي، ومن المهم أن يتم مراعاة أسعار أماكن العرض تقديراً وتشجيعًا للكتاب.
الملاحظة الثالثة التي كانت مدار أحاديث ونقاشات منذ العام المنصرم، وتتكرر هذا العام، قضية، منع بعض الكتب من العرض، وفي رأيي ـ وقلت سابقاً ـ إن المنع يعطي أثراً عكسياً، ولا يحقق المراد مما تراه الجهات الرقابية، ففي عصرنا وفي كل العصور يصبح الممنوع مرغوباً، وهذا مما يتيح لهذا الممنوع أن ينتشر أكثر وليس العكس، ويجد الإقبال بوسائل كثيرة، وكأننا نشجع ونعطي مساحة كبيرة للكتاب الممنوع للإقبال عليه، والأغرب أنَّ بعض هذه الكتب قد نشرت وسمح لها بالبيع في معرض مسقط وفي المكتبات العمانية في الأعوام الماضية، وعندي بعض هذه الكتب، وعند ربما مئات الآخرين، والذي أود أن أقوله للجهات الرقابية، نعم لو أنَّ هناك مؤلفات أو روايات تخالف النظام العام، أو تسيئ لأشخاص بعينهم، أو السب أو القذف إلخ: فيمكن أن يكون المنع مقبولاً، لكن أن تكون الكتب في عمومها، تناقش قضايا غير تلك التجاوزات الشخصية، فأتمنى ألا تمنع، فالمنع يأتي لصالح ذلك الإصدار وليس العكس.